أنفسكم، فلا تعولوا على تعاضد الأسباب كبني النضير الذين اعتمدوا على حصونهم ونحوها، بل توكلوا على الله تعالى. وفي "عين المعاني": فاعتبروا بها خراب جميع الدنيا.
ومعنى الآية: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أي (١): هو الذي أجلى بني النضير من المدينة بقوته وعزته وعظيم سلطانه. وكان هذا أول مرة حشروا فيها وأخرجوا من جزيرة العرب، لم يصبهم الذل قبلها؛ لأنهم كانوا أهل عزة ومنعة: وآخر حشر لهم: إجلاء عمر - رضي الله عنه - لهم من خيبر إلى الشام.
ثم بيّن فضل الله على المؤمنين ونعمته عليهم في إخراج عدوهم من ديارهم ولم يكن ذلك منتظرًا، فقال: ﴿مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا﴾؛ أي: ما خطر لكم ذلك - أيها المؤمنون - ببال؛ لشدة بأسهم ومنعتهم، وقوة حصونهم، وكثرة عَددهم وعُددهم. وفي ذكر هذا تعظم النعمة؛ فإن النعمة إذا جاءت من حيث لا ترتقب.. كانت مكانتها في النفوس أعظم وكانت بها أشد سرورًا وابتهاجًا، والمسلمون ما ظنوا أن يبلغ الأمر بهم إلى إخراج اليهود من ديارهم، ويتخلصوا من مكايدهم وأشراكهم التي ما فتئوا ينصبونها للمؤمنين. وبذا قضى الله عليهم قضاءه الذي لا مرد له، وصدق الله ﴿لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾.
ثم ذكر ما جرأهم على مشاكسة النبي - ﷺ - وتأليب المشركين عليه، فقال: ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ﴾؛ أي: وظن بنو النضير أن حصونهم المنيعة القوية تمنعهم من أن ينالهم عدو بسوء، فلا يستطيع جيش مهما أوتي من بأس أن يصل إليهم بأذى، فاطمأنوا إلى تلك القوة، وأوقدوا نار الفتنة بين الرسول - ﷺ - والمشركين طمعًا في القضاء عليه بعد أن أصبحت له الزعامة الدينية والسياسية في المدينة، وسيكون في ذلك القضاء عليهم لو صبروا، وقد غبروا وهم أصحاب السلطان فيها، لأنهم من وجه أهل كتاب، ومن وجه آخر أرباب النفوذ المالي فيها وأصحاب الثروة والجاه العريض.
ثم أكد ما سلف وقرره بقوله: ﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾؛ أي: فجاءهم بأس الله وقدرته التي لا تدفع من حيث لم يخطر ذلك لهم ببال، وصدق