الرسول: المنازعة معه في حكمة أمره ونهيه، مثل أسرار الصلوات الخمس واختلاف أعدادها، واختلاف قراءتها جهرًا وسرًّا، ومثل: أسرار الزكاة واختلاف أحكامها، ومثل: أحكام الحج ومناسكه. ونحن أمرنا بمحضى الامتثال والانقياد، وما كلفنا بمعرفة أسرارها وحقائقها، والشعبي - ﷺ - مع كمال عرفانه وجلال برهانه يقول: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾، وقال: "نحن نحكم بالظواهر والله يعلم السرائر".
وقرأ الجمهور: ﴿وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ﴾ بالإدغام. وقرأ طلبة بن مصرف ومحمد بن السميع ﴿يشاقق﴾ بالإظهار، كالمتفق عليه في الأنفال.
والمعنى: أي إنه تعالى إنما فعل ذلك بهم، وسلط عليهم رسوله وعباده المؤمنين؛ لأنهم خالفوا الله ورسوله، وكذبوا بما أنزله على رسله المتقدمين من البشارة بمحمد - ﷺ -، فهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم. ثم ذكر مآل من يعادي الله ورسوله، فقال: ﴿وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾؛ أي: ومن يعاد الله فإن الله يعاقبه أشد العقاب، وينزل به الخزي والهوان في الدنيا، والنكال السرمدي في الآخرة.
٥ - ثم ذكر أن كل شيء بقضاء الله وقدره، فقال: ﴿مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ﴾: ﴿مَا﴾ شرطية، نصب بـ ﴿قَطَعْتُمْ﴾. واللينة: وزان فعلة، نظير حنطة، وهي: النخلة الكريمة الشجرة، بكونها قريبة من الأرض والطيبة الثمرة، ولا تختص بنوع من النخل دون نوع، كما قاله الراغب. وقيل: اللينة ضروب النخل كلها، ما خلا العجوة والبرنية، وهما أجود النخل.
والمعنى: أي شيء قطعتم من نخلة من نخيلهم بأنواعها ﴿أَوْ تَرَكْتُمُوهَا﴾ الضمير لـ ﴿مَا﴾ وتأنيثه لتفسيره باللينة كما في قوله تعالى: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا﴾. ﴿قَائِمَةً﴾: في حال من ضمير المفعول ﴿عَلَى أُصُولِهَا﴾ وسوقها كما كانت، من غير أن تتعرضوا لها بشيء من القطع. جمع أصل، وهو ما يتشعب منه الفرع. ﴿فـ﴾ ـذاك ﴿بإذن الله﴾ تعالى؛ أي: قطعُها وتركُها واقع بأمر الله لإرادته، فلا جناح عليكم فيه؛ فإن في كل من القطع والترك حكمة ومصلحة.
وقال محمد بن إسحاق: إنهم قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة، فقال بنو النضير -