﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله، إيمانًا خالصًا، ويقينًا صادقًا ﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى؛ أي: اتقوا عقاب الله في كل ما تأتون، وما تذرون، فتحرزوا عن العصيان بالطاعة، وتجنبوا عن الكفران بالشكر، وتوقوا عن النسيان بالذكر، واحذروا عن الاحتجاب عنه بأفعالكم وصفاتكم بشهود أفعاله وصفاته في كل شيء.
والمعنى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله سبحانه، فافعلوا ما به أمر، واتركوا ما عنه نهى، وزجر، أو: اتقوا الله بفعل المأمورات، كما سيأتي مقابله.
﴿وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ﴾؛ أي: ولتتفكر كل نفس - برة أو فاجرة - ولتبحث وتفتش ﴿مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾؛ أي: عما تقدمه ليوم القيامة من الأعمال الصالحة أو السيئة، فتختاره وتفعله؛ أي: لينظر أحدكم أي شيء يقدمه لنفسه من الأعمال، وليفكر فيه، وليحصله؛ أي: فليختر هل يقدم لها عملًا صالحًا ينجيها أو سيئًا يوبقها، فإن الدنيا دار الزراعة، والآخرة دار الحصاد، فلا تحصد في الآخرة إلا ما زرعته في الدنيا.
والمتبادر من معنى الغد أنه عبارة عن يوم بينك وبينه ليلة، ويطلق أيضًا على مطلق الزمان المستقبل كقوله:
وَأَعْلَمُ عِلْمَ الْيَوْمِ وَالأَمْسِ قَبْلَهُ | وَلَكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِيْ غَدٍ عَمِي |
يقول الفقير (٢): إنما كانت الآخرة كالغد لأن الناس في الدنيا نيام، ولا انتباه إلا عند الموت الذي هو مقدمة القيامة كما ورد به الخبر، فكلّ من الموت والقيامة كالصباح بالنسبة إلى الغافل، كما أن الغد صباح بالنسبة إلى النائم في الليل. ودل هذا على أن الدنيا ظلمانية والآخرة نورانية، انتهى.
(٢) روح البيان.