وهي هنا مصدر من رهب المبني للمفعول. أي: أشد مرهوبية. وذلك لأن ﴿أَنْتُمْ﴾ خطاب للمسلمين، والخوف ليس واقعًا منهم بل من المنافقين، فالمخاطبون مرهوبون غير خائفين.
﴿إِلَّا فِي قُرًى﴾: جمع قرية، وهي مجتمع الناس للتوطن، وأصله: قري، بوزن فعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، ثم حذفت الألف وصلًا لالتقائها ساكنة بنون التنوين. ﴿مُحَصَّنَةٍ﴾؛ أي: محكمة بالدروب، والأبواب الواسعة، والخنادق، وما أشبه ذلك. أو محفوظة بالسوْر. ﴿أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ﴾: جمع جدار، وهو كما مر كالحائط إلا أن الحائط يقال اعتبارًا بالإحاطة بالمكان، والجدار يقال اعتبارًا بالنتو والارتفاع، ولذا قيل: حيدر الشجر، إذا خرج ورقه كأنه حمص، وجدر الصبي إذا خرج جدريه، تشبيهًا بجدر الشجر.
﴿وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾: جمع شتيت، كمرضى جمع مريض. يقال: ست يشت شتًا، وشتاتًا وشتيتًا: فرق وافترق كانشت وتشتت، وجاؤوا أشتاتًا؛ أي: متفرقين في النظام، والعامة في ﴿شَتَّى﴾ بلا تنوين؛ لأنها ألف تأنيث. ﴿ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ﴾ ﴿ذَاقُوا﴾ فيه القلب، أصله: ذوقوا، قلبت الواو ألفًا لتحركها بعد فتح. قال الراغب: الوبل والوابل: المطر الثقيل القطار، ولمراعاة الثقل قيل للأمر الذي يخاف ضرره: وبال. وطعام وبيل. ﴿أَمْرِهِمْ﴾: والأمر واحد الأمور لا الأوامر. أي: ذاقوا سوء عاقبة كفرهم. ﴿إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ﴾ يقال: برىء يبرأ فهو بريء، وأصل البرء والبراءة، والتبري: التقصي مما يكره مجاورته.
﴿لِغَدٍ﴾؛ أي: ليوم القيامة سمي بذلك لقربه، فكل آت قريب، كما قال:
وَإِنَّ غَدًا لِنَاظِرِهِ قَرِيْبُ
وأصله: غدو، حذفوا الواو بلا عوض، واستشهد عليه بقول لبيد:

وَمَا النَّاسُ إلَّا كَالدِّيَارِ وَأَهْلِهَا بِهَا يَوْمَ حَلَّوُها وَغَدْوًا بَلاقِعُ
إذ جاء به على أصله، والبيت من أبيات العبرة.
﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ﴾: أصل ﴿تَكُونُوا﴾: تكونون، بوزن تفعلون، نقلت حركة الواو إلى الكاف فسكنت إثر ضمة فصارت حرف مد. ثم حذفت نون الرفع


الصفحة التالية
Icon