هو؛ أي: الفصل. وقرأ عاصم والحسن والأعمش ﴿يَفْصِلُ﴾ بالياء مخففًا مبنيًا للفاعل. وحمزة والكسائي وابن وثاب مبنيًا للفاعل بالياء المضمومة مشددًا. وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة كذلك إلا أنه بالنون مشددًا. وهما أيضًا وزيد بن علي بالنون المفتوحة مخففًا مبنيًا للفاعل، وأبو حيوة أيضًا بالنون المضمومة. فهذه ثمان قراءات.
٤ - ولما نهى عن موالاة الكفار.. ذكر قصة إبراهيم عليه السلام، وأن من سيرته: التبرؤ من الكفار؛ ليقتدوا به في ذلك، ويتأسوا، فقال: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ﴾ أيها المؤمنون ﴿أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾؛ أي: خصلة حميدة ﴿فِي إِبْرَاهِيمَ﴾ الخليل عليه السلام، تقتدون بها وتتبعونه فيها. وقرأ الجمهور (١): ﴿إسوة﴾ بكسر الهمزة في الموضعين. وقرأ عاصم بضمها كذلك. وهما لغتان. قال الراغب: الإسوة والأسوة بالضم والكسر كالقدوة والقدوة، هي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره، إن حسنًا وإن قبيحًا، وإن سارًا وإن ضارًا. والأسى - بالقصر -: الحزن، وحقيقته: إِتباع الفائت بالغم. وقوله: ﴿أُسْوَةٌ﴾: اسم كانت و ﴿لَكُمْ﴾ خبرها، و ﴿حَسَنَةٌ﴾: صفة أسوة، مقيدة إن عمت الأسوة المحمودة والمذمومة، وكاشفة مادحة إن لم تعم. و ﴿فِي إِبْرَاهِيمَ﴾: صفة ثانية لأسوة، أو متعلق بأسوة أو بحسنة، أو حال من الضمير المستتر في ﴿حَسَنَةٌ﴾، أو خبر كان، و ﴿لَكُمْ﴾: للبيان. ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾؛ أي: مع إبراهيم. معطوف على إبراهيم، وهم أصحابه المؤمنون. وقال ابن زيد: هم الأنبياء. قال الفراء: فكأنه يقول: أفلا تأسيت يا حاطب بإبراهيم فتتبرأ من أهلك كما تبرأ إبراهيم من أبيه وقومه.
وفي "كشف ما يلتبس من القرآن" (٢): قاله هنا بتأنيث الفعل مع الفاصل لقربه وإن جاز التذكير، وأعاده في قوله: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ بتذكيره مع الفاصل لكثرته وإن جاز التأنيث. وإنما كرر ذلك لأن الأول في القول والثاني في الفعل، وقيل: الأول في إبراهيم والثاني في محمد - ﷺ -. انتهى.
والمعنى (٣): قد كانت خصلة حميدة حقيقة بأن يؤتسى ويقتدى بها، ويتبع أثرها في إبراهيم والذين معه. وقولهم: لي في فلان أسوة؛ أي: قدوة، من باب

(١) الشوكاني.
(٢) فتح الرحمن.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon