أمر الله سبحانه وتعالى أصحاب رسول الله - ﷺ - أن يقتدوا بسيدنا إبراهيم عليه السلام ومن معه من الأنبياء والأولياء. ﴿إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ﴾ آزر ﴿لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ يا أبي، فليس لكم الاقتداء بإبراهيم في ذلك الاستغفار؛ لأنه إنما استغفر لأبيه لأجل موعدة وعدها إياه؛ لأنه ظن أنه أسلم، فلما مات على الكفر.. تبرأ منه، وأنتم لا تظنون إسلام الكفار الذين اتخذتموهم أولياء، فهو استثناء متصل من قوله: ﴿أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾، وصح ذلك؛ لأن القول من جملة الأسوة، كأنه قيل: قد كانت أسوة حسنة في إبراهيم في جميع أقواله وأفعاله إلا قوله لأبيه. أو من قوله: ﴿فِي إِبْرَاهِيمَ﴾ بتقدير مضاف محذوف ليصحّ الاستثناء؛ أي: قد كانت لكم أسوة حسنة في مقالات إبراهيم، إلا قوله لأبيه: ﴿لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾. أو من التبرؤ والقطيعة التي ذكرت؛ أي: لم يواصله إلا قوله. ذكر هذا ابن عطية. أو منقطع؛ أي: لكن قول إبراهيم لأبيه: ﴿لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ فلا تتأسوا به فتستغفرون للمشركين، فإنه كان من موعدة وعدها إياه. أو أن ذلك إنما وقع منه لأنه ظن أنه قد أسلم، فلما تبين له أنه عدو الله.. تبرأ منه، كما تقدم آنفًا.
والمعنى: ﴿كَفَرْنَا بِكُمْ﴾؛ أي: جحدنا ما أنتم عليه من الكفر، وأنكرنا عبادتكم ما تعبدون من دون الله. فلا نعتد بكم وبآلهتكم، فإن ما أنتم عليه لا تقره العقول الراجحة ولا الأحلام الحصيفة، فما قيمة الأحجار والأصنام التي تتخذونها معبودات ترجون منها النفع والضرّ؟! ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ...﴾ إلخ.
﴿وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ﴾؛ أي (١): وها نحن أولاء قد أعلنا الحرب عليكم، فلا هوادة بيننا وبينكم، وسيكون هذا. دأبنا معكم لا نترككم بحال حتى تتركوا ما أنتم عليه من الشرك فتنقلب العداوة ولاية والبغضاء محبة. ﴿إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ...﴾ إلخ؛ أي: لكم في إبراهيم وقومه أسوة حسنة تتأسون بها إلا في استغفار إبراهيم لأبيه، فإنه إنما كان عن موعدة وعدها إياه، فلما تبين له أنه عدو الله.. تبرأ منه.
وقد كان بعض المؤمنين يدعون لآبائهم الذين ماتوا على الشرك ويستغفرون لهم، ويقولون: إن إبراهيم كان يستغفر لأبيه.. فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ