الله. والإنابة: الرجوع إليه بالتوبة. والمصير: المرجع إليه في الآخرة للمجازاة.
وعبارة "الكشَّاف": فإن قلت: بم اتصل به قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا﴾؟
قلت: بما قبل الاستثناء، وهو من جملة الأسوة الحسنة. ويجوز أن يكون المعنى: قولوا ربنا - أمرًا من الله تعالى للمؤمنين بأن يقولوه وتعليمًا منه لهم - تتميمًا لما وصاهم به من قطع العلائق بينهم وبين الكفار، والاستئساء بإبراهيم وقومه في البراءة منهم، وتنبيهًا على الإنابة إلى الله، والاستعاذة به من فتنة أهل الكفر، والاستغفار مما فرط منهم. أي: فهو مقول لقول محذوف. انتهى.
والمعنى (١): أي ربنا اعتمدنا عليك في قضاء أمورنا، ورجعنا إليك بالتوبة مما تكره إلى ما تحب وترضى، ومصيرنا إليك يوم تبعثنا من قبورنا وتحشرنا إلى موقف العرض والحساب.
٥ - قالوه بعد المجاهدة وشق العصا التجاءً إلى الله تعالى في جميع أمورهم، لا سيما في مدافعة الكفرة وكفاية شرورهم، كما ينطق به قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا﴾ بدل من الأول، وكذا قوله: ﴿رَبَّنَا﴾ فيما بعده. ﴿لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً﴾؛ أي: مفتونين ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أي: بأيديهم بأن تسلطهم علينا فيفتونا بعذاب لا نطيقه، فالفتنة بمعنى المفعول، وقال الزجاج (٢): لا تظهرهم علينا، فيظنوا أنهم على حق فيفتنوا بذلك، وقال مجاهد: لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك فيقولوا: لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا، وقال بعضهم: ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا فتقتر علينا الرزق وتبسطه عليهم فيظنوا أنهم على الحق ونحن على الباطل. ﴿وَاغْفِرْ لَنَا﴾ ما فرط منا من الذنوب وإلا كان سببًا لظهور العيوب وباعثًا للابتلاء المهروب ﴿رَبَّنَا﴾ تكرير النداء للمبالغة في التضرع والجؤار، فيكون لاحقًا بما قبله، ويجوز أن يكون سابقًا لما بعده توسلًا إلى الثناء بإثبات العزة والحكمة، والأول أظهر وعليه ميل السجاوندي حيث وضع علامة الوقف الجائز على ﴿رَبَّنَا﴾ وهو في اصطلاحه ما يجوز فيه الوصل، والفصل باعتبارين، وتلك العلامة الجيم بمسماه وهو "ج". ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ﴾؛ أي: الغالب الذي لا يذل من التجأ إليه، ولا يخيب رجاء من توكل عليه. ﴿الْحَكِيمُ﴾ لا يفعل إلا ما فيه حكمة بالغة.
(٢) الشوكاني.