وحاصل معنى الآية (١): أي لقد كان. لكم - أيها المؤمنون - قدوة حسنة في إبراهيم ومن آمن معه من أتباعه المؤمنين، لمن كان منكم يرجو لقاء الله وجزيل ثوابه والنجاة في اليوم الآخر. ومن أعرض عما ندبه الله إليه منكم وأدبر واستكبر ووالى أعداء الله وألقى إليهم بالمودة.. فلا يضرن إلا نفسه، فإن الله غني عن إيمانه وطاعته، بل عن جميع خلقه، محمود بأياديه وآلائه عليهم. ونحو الآية قوله تعالى: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾.
٧ - وقال مقاتل (٢): لما أمر الله تعالى المؤمنين بعداوة الكفار شددوا في عداوة آبائهم وأبنائهم وجميع أقاربهم.. فأنزل الله تعالى قوله: ﴿عَسَى اللَّهُ﴾؛ أي: حقق الله سبحانه وتعالى ﴿أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ﴾ أيها المؤمنون ﴿وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ﴾ من كفار مكة ﴿مَوَدَّةً﴾؛ أي: محبة وصلة بمخالطتهم من أهل الإِسلام، وذلك بأن أسلموا فيصيروا من أهل دينكم، وقد أسلم قوم منهم بعد فتح مكة، وحسن إسلامهم، ووقعت بينهم وبين من تقدمهم في الإِسلام مودة، وجاهدوا وفعلوا الأفعال المقربة إلى الله سبحانه، منهم: أبو سفيان بن حرب، وأبو سفيان بن الحارث، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وحكيم بن حزام. ﴿وَاللَّهُ قَدِيرٌ﴾؛ أي (٣): مبالغ في القدرة، فيقدر على تقليب القلوب وتغيير الأحوال وتسهيل أسباب المودة. ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ﴾: فيغفر لمن أسلم من المشركين. ﴿رَحِيمٌ﴾: فيرحمهم بقلب معاداة قلوبهم موالاة. وقيل: غفور لما فرط منكم في موالاتهم من قبل، ولما بقي في قلوبكم من ميل رحيم.
والمعنى (٤): حقق الله أن يجعل بينكم وبين أعدائكم من كفار مكة محبة بعد البغض، ومودة بعد النفرة، وألفة بعد الفرقة، والله قدير على ما يشاء، فيؤلف بين القلوب بعد العداوة، غفور لخطيئة من ألقى إليهم بالمودة إذا تابوا منها، رحيم بهم أن يعذبهم بعد التوبة. وقد تم ذلك بفتح مكة حين دخل المشركون في دين الله أفواجًا، وتم بينهم التصافي والتصاهر، وكان بينهم أتم ما يكون من وثيق الصلات. كما قال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ
(٢) المراح.
(٣) روح البيان.
(٤) المراغي.