وعبارة المراغي: ومعنى الآية (١): أي لا ينهاكم الله عن الإحسان إلى الكفار الذين لم يقاتلوكم في الدِّين ولم يخرجوكم من دياركم ولم يعاونوا على إخراجكم، وهم: خزاعة وغيرهم ممن كانوا عاهدوا رسول الله - ﷺ - على ترك القتال والإخراج من الديار، فأمر الله رسوله - ﷺ - بالبر والوفاء لهم إلى مدة أجلهم.
وفي الآية مدح للعدل؛ لأن المرء به يصير محبوبًا لله سبحانه. ومن الأحاديث الصحيحة: قوله - ﷺ -: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين". والمراد بهم الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا عليه.
٩ - ثم زاد الأمر إيضاحًا وبيانًا، فقال: ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾ وإطفاء نوره ﴿وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ﴾ وهم عتاة أهل مكة وجبابرتهم ﴿وَظَاهَرُوا﴾؛ أي: عاونوا الذين قاتلوكم ﴿عَلَى إِخْرَاجِكُمْ﴾ وهم سائر أهل مكة ومن دخل معهم في عهدهم ﴿أَنْ تَوَلَّوْهُمْ﴾ وتناصروهم. بدل اشتمال من الموصول، كما سبق. أي: إنما ينهاكم أن تتولوهم. ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ﴾؛ أي: ومن يحبهم ويناصرهم ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ﴾ لا غيرهم ﴿الظَّالِمُونَ﴾ لأنفسهم بإقبالها على العذاب. أي: الكاملون في الظلم؛ لأنهم تولوا من يستحق المعاداة لكونه عدوًا لله ولرسوله ولكتابه، فوضعوا المحبة موضع العداوة، فظلموا أنفسهم بتعريضها للعذاب. وحساب المتولي أكبر وفساد التولي أكثر، ولذلك أورد كلمة الحصر تغليظًا، وجمع الخبر باعتبار معنى المبتدأ.
والخلاصة (٢): أي إنما ينهاكم عن موالاة الذين ناصبوكم العداوة، فقاتلوكم وأخرجوكم، أو عاونوا على إخراجكم كمشركي مكة؛ فإن بعضهم سعوا في إخراج المؤمنين، وبعضهم أعان المخرجين. وأكد الوعيد على موالاتهم بقوله: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾؛ لأنهم تولوا غير الذين يجوز لهم أن يتولوهم، ووضعوا ولايتهم في غير موضعها، وخالفوا أمر الله في ذلك.

(١) المراغي.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon