فإن قلت: قوله: أنت علي كظهر أمي، إنشاء لتحريم الاستمتاع بها وليس بخبر، والإنشاء لا يوصف بالكذب.
قلت: هذا الإنشاء يتضمن إلحاق الزوجة المحللة بالأم المحرمة أبدًا، وهذا إلحاق مناف لمقتضى الزوجية، فيكون كاذبًا. وقال بعضهم: لمّا كان مبنى طلاق الجاهلية الأمر المنكر الزور لم يجعله الله طلاقًا، ولم تبق الحرمة إلا إلى وقت التكفير.
والمعنى (١): أي وإنهم ليقولون قولًا منكرًا لا يجيزه شرع ولا يرضى به عقل ولا يوافق عليه ذو طبع سليم، فكيف تشبه من يسكن إليها، وتسكن إليه، وجعل بينه وبينها مودةً ورحمة وصلة خاصة لا تكون لأم ولا لأخت بمن جعل صلتها بابنها صلة الكرامة والحنو والإجلال والتعظيم؟ إلى أن الرجل قوام على المرأة، له حق تأديبها إذا اعوجت، وهجرانها في المضاجع إذا جمحت. ولم يعط ذلك الابن ليعامل به أمه؟ فهذا زور وبهتان عظيم. ولا يخفى ما في هذان الاستهجان وشديد التشنيع على صدور هذا القول منهم.
﴿وَإِنَّ اللهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾؛ أي: لكثير العفو والمغفرة لما سلف من الذنب متى تاب فاعله منه؛ إذ جعل الكفارة عليهم مخلصة لهم عن هذا القول المنكر الزور. والفرق بين المغفرة والعفو: أن العفو محو للذنوب عن صحف الملائكة، والمغفرة سترها عن أعينهم.
٣ - ثم فصل حكم الظهار، فقال: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾؛ أي: والذين يقولون ذلك القول المنكر الفظيع لنسائهم ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾؛ أي: ثم يريدون العود إلى ما حرموا على أنفسهم بلفظ الظهار من الاستمتاع. ففيه تنزيل القول منزلة المقول فيه، واللام فيه بمعنى إلى؛ لأنّهما قد يتقارضان. أو يعودون لما قالوا إما بالسكوت عن الطلاق بعد الظهار زمانًا يمكنه أن يطلقها فيه، كما قاله الشافعي، أو إما باستباحة الوطء والملامسة والنظر إليها بالشهوة - كما قاله أبو حنيفة - أو بالعزم على جماعها، كما قاله مالك - ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾؛ أي (٢): فالواجب عليهم إعتاق

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon