المهور. أي: إذا ارتدت امرأة أحدكم ولحقت بدار الكفر.. فاسألوا مهرها ممن تزوجها. ولعل (١) هذا لتطرية قلوب بعض المؤمنين بالمقابلة والمعادلة وإلا.. فظاهر حال الكرام الاستغناء. ﴿وَلْيَسْأَلُوا﴾؛ أي: وليسأل الكفار وليطلبوا منكم ﴿مَا أَنْفَقُوا﴾ من مهور أزواجهم المهاجرات إليكم. أي: وليسأل كل معاهد أسلمت امرأته وهاجرت إليكم ممن تزوجها منكم مهرها، والمراد: أن عليكم أن تؤدوا لهم ذلك.
وظاهر قوله تعالى: ﴿وَلْيَسْأَلُوا﴾ يدل على أن الكفار مخاطبون بالأحكام، وهو أمر للمؤمنين بالأداء مجازًا من قبيل إطلاق الملزوم وإرادة اللازم، كما في قوله: ﴿وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ فإنه بمعنى: وأغلظوا عليهم.
﴿ذَلِكُمْ﴾ الذي ذُكر في هذه الآية من الأحكام، أو ما ذكر من إرجاع المهور من الجهتين ﴿حُكْمُ اللَّهِ﴾ تعالى؛ أي: ما حكم الله سبحانه لأن يراعى. وقوله تعالى: ﴿يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ كلام مستأنف للتأكيد والحث على الرعاية والعمل به، أو في محل النصب على الحال. قال في "فتح الرحمن": ثم نسخ هذا الحكم بعد ذلك، إلا قوله: ﴿لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾.
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بمصالحكم ﴿حَكِيمٌ﴾ فيما شرعه لكم، يشرع ما تقتضيه المصلحة والحكمة البالغة. قال ابن العربي: حكم الله هذا كان مخصوصًا بذلك الزمان في تلك النازلة خاصة بإجماع المسلمين. وقال الزهري: ولولا هذه الهدنة والعهد الذي كان بين رسول الله - ﷺ - وبين قريش يوم الحديبية.. لأمسك النساء ولم يردَّ الصداق، وكذا كان يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد.
١١ - وروي (٢): أنه لما نزلت هذه الآية.. أدى المؤمنون ما أمروا به من مهور المهاجرات إلى أزواجهن المشركين، وأبى المشركون أن يؤدوا شيئًا من مهور الكوافر إلى أزواجهن المسلمين، وقالوا: نحن لا نعلم لكم عندنا شيئًا، فإن كان لنا عندكم شيء.. فوجهوا به، فنزل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ فَاتَكُمْ﴾ الفوت: بُعد الشيء عن الإنسان بحيث يتعذر إدراكه. وتعديته بإلى لتضمنه معنى السبق أو الانفلات، دل عليه قوله تعالى: ﴿فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ﴾؛ أي: إلى الكفار.
(٢) روح البيان.