الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما حث في الآيات السابقة على الجهاد في سبيله، ونهاهم عن أن يكونوا مثل قوم موسى في التواكل والتخاذل - إذ قالوا له: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ - ونهاهم أيضًا عن أن يكونوا مثل قوم عيسى في العصيان بعد أن أتى لهم بالأدلة الباهرة على صدق نبوّته.. ذكر هنا أن الإيمان بالله والجهاد بالمال والنفس في سبيله تجارة رابحة، فإن المجاهد ينال الفوز العاجل والثواب الآجل، فيظفر بالنصرة في الدنيا والغلبة على العدوّ وأخذ الغنائم وكرائم الأموال، ويحظى في الآخرة بغفران الذنب ورضوان الرب والرضوان في جنات الخلود، والإقامة ولا فوز أعظم من هذا.
ثم ضرب لهم مثلًا بقوم عيسى، فقد انقسموا فرقتين: فرقة، آمنت به، وهم حواريوه، وفرقة فرت به، وهم البقية الباقية منهم. فأمد الله المؤمنين بروح من عنده، فتم لهم الفوز والنصر على الكافرين، وغلبوهم بإذن الله، كما هي سنة الله في البشر، كما قال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١)﴾، وقال: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ...﴾ إلى آخر السورة، سبب نزول هذه السورة: ما أخرجه الدارمي في "سننه" قال: أخبرنا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن سلام قال: قعدنا نفرًا من أصحاب رسول الله - ﷺ - فتذاكرنا، فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى لعملناها؟ فأنزل الله تعالى: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتًا﴾ حتى ختمها، قال عبد الله: فقرأها علينا رسول الله - ﷺ - حتى ختمها، فقرأها علينا ابن سلام. قال يحيى: قرأها علينا أبو سلمة، وقرأها علينا يحيى، وقرأها علينا الأوزاعي، وقرأها علينا محمد.
قال ابن الجوزي (١): قوله تعالى: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ في سبب