السن، وإن كان يرجى برؤه واشتدت حاجته إلى وطء امرأته.. فالمختار أن ينتظر البرء حتى يقدر على الصيام، ولو كفر بالإطعام ولم ينتظر القدرة على الصيام.. أجزأه. ومن الأعذار: الشبق المفرط، وهو: أن لا يصبر عن الجماع، فإنه - ﷺ - رخّص للأعرابي أن يعطي الفدية لأجله. ﴿فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾؛ أي: فعليه إطعام ستين مسكينًا من قبل أن يتماسا، حملًا للمطلق هنا على المقيد في الإعتاق والصيام عند غير أبي حنيفة، فيجب تقديمه على المسيس عند غيره، ولو وطىء في خلال الإطعام.. استأنف. وأما عند أبي حنيفة: فلا يستأنف؛ لأنه تعالى لم يذكر التماس مع الإطعام، وقيد المسكين اتفاقي؛ لجواز صرفه إلى غيره من مصارف الزكاة.
يقول الفقير: إنما خصّ المسكين بالذكر لكونه أحق بالصدقة من سائر مصارف الزكاة. وإطعام ستين مسكينًا يشمل ما كان حقيقيًا وما كان حكميًا؛ بأن يطعم واحدًا ستين يومًا، فإنه في حكم ستين مسكينًا، وإن أعطاه في يوم واحد وبدفعات لا يجوز على الصحيح.
والإطعام: جعل الغير طاعمًا، ففيه رمز إلى جواز التمليك والإباحة في الكفارة. والمسكين - ويفتح ميمه - من لا شيء له - أو له ما لا يكفيه وأسكنه الفقر؛ أي: قلل حركته - والذليل والضعيف.
أي: فعليه أن يطعم ستين مسكينًا، لكل مسكين مدّان، وهما: نصف صاع. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. قال الشافعي وغيره: لكل مسكين مدّ. والظاهر من الآية: أن يطعمهم حتى يشبعوا مرة واحدة، أو يدفع إليهم ما يشبعهم، ولا يلزمه أن يجمعهم مرة واحدة، بل يجوز له أن يطعم بعض الستين في يوم وبعضهم في يوم آخر.
والإشارة بقوله: ﴿ذَلِكَ﴾ إلى ما تقدم ذكره من الأحكام. وهو مبتدأ خبره مقدر؛ أي: ذلك البيان والتعليم للأحكام، والتنبيه عليها واقع كائن، ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾. ويجوز أن يكون اسم الإشارة في محل النصب بفعل محذوف، والتقدير: فعلنا ذلك لتصدقوا بالله ورسوله، وتعملوا بشرائعه التي شرعها لكم، وترفضوا ما كنتم عليه في جاهليتكم، وتقفوا عند حدود الشرع، ولا تتعدوها، ولا تعودوا إلى الظهار الذي هو منكر من القول.