السلام - لبني إسرائيل حين ندبهم إلى قتال الجبابرة بقوله: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (٢١)﴾. فلم يمتثلوا بأمره، وعصوه أشد عصيان، حيث قالوا: ﴿يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ إلى قوله: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾، وأصروا على ذلك، وآذوه - عليه السلام - كل الأذية، وقال: ﴿يَا قَوْمِ﴾ أصله، يا قومي، ولذا كسرت الميم، ولولا تقدير الياء.. لقيل: يا قوم بالضم؛ لأنه يكون حينئذ مفردًا معرفة. وهو نداء رفق وشفقة، كما هو شأن الأنبياء ومن يليهم. ﴿لِمَ تُؤْذُونَنِي﴾ بالمخالفة والعصيان فيما أمرتكم. والأذى: ما يصل إلى الإنسان من ضرر، إما في نفسه أو في جسمه أو في أسرته، دنيويًا كان أو أخرويًا، كما سيأتي بسطه.
يقول الفقير: لا شك أن قتل الأعداء من باب التسبيح؛ لأنهم الذين قالوا: اتخذ الله ولدًا، وعبدوا معه الأصنام، فكان في مقابلتهم توسيع ساحة التنزيه، ولذا بدأ الله تعالى في عنوان السورة بالتسبيح، وأشار بلفظ ﴿الْحَكِيمُ﴾ إلى أن القتال من باب الحكمة، وأنه من باب دفع القضاء بالقضاء، على ما يُعرِّفه أهل المعرفة، وبلفظ ﴿الْعَزِيزُ﴾، إلى غلبة المؤمنين المقاتلين. ثم إنهم كرهوا ذلك كأنهم لم يثقوا بوعد الله بالغلبة، ووقعوا من حيث لم يحتسبوا في ورطة نسبة العجز إلى الله تعالى، ولذا تقاعدوا عن القتال، وبهذا التقاعد حصلت الأذية له عليه السلام، لأن مخالفة أولي الأمر أذية لهم، فأشار الحق سبحانه بقصة موسى إلى أن الرسول حق، وأن الخروج عن طاعته فسق، وأن الفاسق مغضوب لله تعالى؛ لأن الهداية من باب الرحمة وعدمها من باب السخط، والعياذ بالله تعالى من سخطه وغضبه وأليم عقابه وعذابه.
وجملة النداء مع ما بعدها مقول القول؛ أي (١): إذ قال موسى: يا قوم، لم تؤذونني بمخالفة ما أمرتكم به من الشرائع التي افترضها الله عليكم؛ أو: لم تؤذونني بالشتم والانتقاص، ومن ذلك رميه بالأُدرة، وقد تقدم بيان هذا في سورة الأحزاب. وجملة قوله: ﴿وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾ جملة (٢) حالية مؤكدة
(٢) روح البيان.