وراءه ظهريًا.
ثم بين سبب ظلمهم وفساد عقائدهم، فقال: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. وهذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها؛ أي: والله لا يرشد الظالمين لأنفسهم إلى ما فيه صلاحهم ورشادهم؛ لعدم توجههم إليه؛ لأنهم دسوها باجتراح السيئات وارتكاب الموبقات، فختم على قلوبهم، وجعل على أبصارهم غشاوة فلا تفهم الأدلة المنصوبة في الكون وتهتدي بهدى العقل، بل تسير في عماية وتمشي في ظلام دامس لا تلوي على شيء.
٨ - ثم ذكر جدهم واجتهادهم في إبطال الدين، واستهزأ بما اتخذوه من الوسائل، فقال: ﴿يُرِيدُونَ﴾؛ أي: يريد المفترون ﴿لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ﴾ ودينه ﴿بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ وأقوالهم الباطلة. والإطفاء: الإخماد، وأصله في النار، واستعير لما يجري مجراها من الظهور والضياء؛ أي: يريدون أن يطفئوا دينه، أو كتابه، أو حجته النيرة. و ﴿اللام﴾ (١): مزيدة لما فيها من معنى الإرادة، تأكيدًا لها، كما زيدت لما فيها من معنى الإضافة تأكيدًا لها في: (لا أبا لك). أو لام علة، والمفعول محذوف.
والمعنى: يريدون الافتراء ليطفئوا نور الله. وقيل: إنها بمعنى أن الناصبة وأنها ناصبة بنفسها. قال الفراء: العرب تجعل لام كي في موضع أن.. في أراد وأمر، وإليه ذهب الكسائي. ومثل هذا قوله: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾. قال الراغب في "المفردات": الفرق بين زيادة اللام وعدمها: أن المعنى في قوله: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ﴾: يقصدون إخفاء نور الله، وفي قوله: ﴿لِيُطْفِئُوا﴾: يقصدون أمرًا يتوصلون به إلى إطفاء نور الله. وقال الشوكاني: والمراد بنور الله: القرآن؛ أي: يريدون إبطاله وتكذيبه بالقول، أو الإِسلام، أو محمدًا - ﷺ -، أو الحجج والدلائل، أو جميع ما ذكر. ومعنى ﴿بِأَفْوَاهِهِمْ﴾: بأقوالهم الخارجة من أفواههم المتضمنة للطعن. مثلت حالهم بحال من ينفخ في نور الشمس ليطفئه.
وجملة قوله: ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ﴾ جملة حالية من مفعول ﴿لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ﴾؛ أي: يريدون إطفاءه، والله متمه ومبلغه إلى غايته بنشره في الآفاق وإعلائه {وَلَوْ كَرِهَ