والمعنى (١): أي هو الله الذي أرسل محمدًا - ﷺ - بالقرآن والملة الحنيفية ليعليه على جميع الأديان المخالفة له، وإنما قال أولًا: ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾. وقال ثانيًا: ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ لأنه ذكر أولًا النور وإطفاءه فاللائق به الكفر؛ لأنه ستر وتغطية؛، وذكر ثانيًا الحاسدين للرسول - ﷺ - وأكثرهم من قريش، فناسب ذكر المشركين.
وعبارة "الخطيب": أجيب عنه: بأنه تعالى أرسل رسوله وهو من نعم الله تعالى والكافرون كلهم في كفران النعم سواء؛ فلهذا قال، ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾. لأن لفظ الكافر أعمّ من المشرك. فالمراد بالكافرين هنا: اليهود والنصارى والمشركون، فلفظ الكافر أليق به. وأما قوله: ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ فذلك عند إنكارهم التوحيد وإصرارهم عليه؛ لأنه - ﷺ - في ابتداء الدعوة أمر بالتوحيد بلا إله إلا الله، فلم يقولوها، فلهذا قال: ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾. انتهى.
وقيل (٢): إيراد الكافرين أولًا لما أن إتمام الله نوره يكون بنسخ غير الإِسلام، والكافرون كلهم يكرهون ذلك، وإيراد المشركين ثانيًا لما أن إظهار دين الحق يكون بإعلاء كلمة الله وإشاعة التوحيد المنبىء عن بطلان الآلهة الباطلة، وأشد الكارهين لذلك المشركون، والله أعلم بأسرار كلامه.
١٠ - ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ﴾ سيأتي بيان معناها ﴿تُنْجِيكُمْ﴾؛ أي: تكون سببًا لإنجاء الله إياكم وتخليصه. وأفادت الصفة المقيدة أن من التجارة ما يكون على عكسها، كما أشار إليها قوله تعالى: ﴿يَرْجُونَ تِجَارَةً﴾. فإن بوار التجارة وكسادها يكون لصاحبها عذابًا أليمًا، كجمع المال وحفظه ومنع حقوقه، فإنه وبال في الآخرة؛ فهي تجارة خاسرة. وكذا الأعمال التي لم تكن على وجه الشرع والسنة أو أريد بها غير الله، فجعل العمل الآتي بمنزلة التجارة؛ لأنهم يربحون فيه كما يربحون في التجارة. وذلك بدخولهم الجنة ونجاتهم من النار. ﴿مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾؛ أي: مؤلم جسماني، وهو ظاهر وروحاني، وهو: التحسر والتضجر.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿تُنْجِيكُم﴾، من الإنجاء وقرأ الحسن، وابن أبي
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.