للنجاة من الفقر الغير المنقطع. وقال النبي - ﷺ -: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ". يعني: أن نعمتي الصحة والفراغ كرأس المال للمكلف، فينبغي أن يعامل الله سبحانه بالإيمان به وبرسوله، ويجاهد مع النفس لئلا يغبن، ويربح في الدنيا والآخرة، ويجتنب معاملة الشيطان؛ لئلا يضيع رأس ماله مع الربح.
١٣ - ثم ذكر الفوز العاجل في الدنيا، فقال: ﴿وَأُخْرَى﴾؛ أي: ولكم مع هذه النعمة العظيمة نعمة أخرى عاجلة. فـ ﴿أُخْرَى﴾ مبتدأ خبره محذوف، والجملة معطوفة على: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ﴾ على المعنى، أو في محل خفض معطوفة على ﴿تُحِبُّونَهَا﴾؛ أي: وهل أدلكم على خصلة أخرى ﴿تُحِبُّونَهَا﴾ وترغبون فيها في العاجل مع ثواب الآخرة. وقيل: في محل نصب؛ أي: ويعطيكم خصلة أخرى. وفي قوله: ﴿تُحِبُّونَهَا﴾ تعريض بأنهم يؤثرون العاجل على الآجل، وتوبيخ على محبته، وهو صفة بعد صفة لذلك المحذوف.
ثم بيّن سبحانه هذه الأخرى، فقال: ﴿نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ﴾؛ أي: هي نصر من الله لكم على عدوكم قريش وغيرهم. وقيل: ﴿نَصْرٌ﴾ بدل، أو عطف بيان لتلك النعمة الأخرى على تقدير كونها في محل رفع؛ أي: ولكم نصر من الله. ﴿وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾؛ أي: عاجل. معطوف على ﴿نَصْرٌ﴾. قال الكلبي: يعني النصر على قريش، وفتح مكة. وقال عطاء: يريد فتح فارس والروم. وقوله: ﴿وَبَشِّرِ﴾ يا محمد ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ معطوف على محذوف، تقديره: قل - يا محمد -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ...﴾؛ إلخ، وبشرهم بأنواع البشارة الدنيوية والأخروية، فلهم فضل من الله وإحسان في الدارين. أو معطوف على ﴿تُؤْمِنُونَ﴾؛ لأنه في معنى الأمر.
والمعنى (١): أي وبشر - يا محمد - المؤمنين بالنصر والفتح، أو: وبشرهم بالنصر في الدنيا والفتح وبالجنة في الآخرة، أو: وبشرهم بالجنة في الآخرة.
وفي هذا (٢): دلالة على صدق النبي - ﷺ -؛ لأنه أخبر عما يحصل ويقع في المستقبل من الأيام على ما أخبره.
(٢) روح البيان.