وقوله تعالى: ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾ والفرق بين التلاوة والقراءة: أن التلاوة قراءة القرآن متتابعة كالدراسة، والقراءة أعم؛ لأنها جمع الحروف باللفظ لا إتباعها. وقوله: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾؛ أي: يحملهم على ما يصيرون به أزكياء من خبائث العقائد والأعمال. وفيه إشارة إلى قاعدة التشريع، فإن المزكي في الحقيقة وإن كان هو الله تعالى كما قال: ﴿بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ﴾، إلا أن الإنسان الكامل مظهر الصفات الإلهية جميعًا، ويؤيد هذا المعنى: إطلاق نحو قوله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾، وقوله: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾. قال بعضهم: ﴿الْكِتَابَ﴾؛ أي: القرآن، ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾؛ أي: الشريعة، وهي ما شرع الله لعباده من الأحكام. وقيل: ﴿الْكِتَابَ﴾؛ أي: لفظه، ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾؛ أي: معناه. وإنما وسط بين التلاوة والتعليم بالتزكية التي هي عبارة عن تكميل النفس بحسب قوتها العملية وتهذيبها المتفرع على تكميلها بحسب القوة النظرية الحاصلة بالعلم المترتب على التلاوة، مع أن التعليم مترتب في الوجود على التلاوة للإيذان بأن كلًّا من الأمور المترتبة نعمة جليلة على حيالها مستوجبة للشكر، فلو روعي ترتيب الوجود.. لتبادر إلى الفهم كون الكل نعمة واحدة، وهو السر في التعبير عن القرآن تارة بالآيات وأخرى بالكتاب والحكمة رمزًا إلى أنه باعتبار كل عنوان نعمة على حدة.
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾: ﴿إنْ﴾ (١) ليست شرطية ولا نافية، بل هي المخففة، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية.
والمعنى: وإن الشأن: كان الأميون من قبل بعثه ومجيئه لفي ضلال مبين من الشرك وخبث الجاهلية، لا ترى ضلالًا أعظم منه. وقيل: ﴿إن﴾ بمعنى: قد، كما مرت الإشارة إليه.
وهو بيان لشدة افتقارهم إلى من يرشدهم، وإزاحة لما عسى يتوهم من تعلمه - ﷺ - من الغير، فإن المبعوث فيهم إذا كانوا في ضلال قبل البعثة.. زال توهم أنه تعلم ذلك من أحد منهم. قال سعدي المفتي: والظاهر: أن نسبة الكون في الضلال إلى الجميع من باب التغليب، وإلا.. فقد كان فيهم مهتدون، مثل: ورقة بن نوفل، وزيد بن نفيل، وقس بن ساعدة وغيرهم ممن قال رسول الله - ﷺ - في كل منهم

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon