الظالمين لأنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد، باختيار الضلالة على الهداية، والشقاوة على السعادة، والعداوة على الولاية، كاليهود ونظائرهم. وفيه تقبيح لهم بتشبيه حالهم بحال الحمار، والمشبه بالقبيح قبيح، فصوت الجاهل والمدعي منكرًا كصوت الحمار وأضل وأنزل، فهو ضار محض، وفي الحمار نفع؛ لأنه يحمل الأثقال ويركبه النساء والرجال.
والمعنى (١): والله لا يهدي القوم الظالمين لأنفسهم، إذ هم دسوها حتى أحاطت بهم خطيئتهم وأعمت أبصارهم ورانت على قلوبهم فلم تر نور الحق ولم تشعر بحجة ولا برهان، بل هي في ظلام دامس، لا تهتدي لطريق ولا تصل إلى غاية.
٦ - ولما كان من شأن من لم يعمل بالكتاب الذي أنزل إليه أن يكون محبًا للحياة تاركًا لكل ما ينفعه في الآخرة.. قال آمرًا رسوله أن يقول لهم: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء اليهود ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا﴾؛ أي: تهودوا وقالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه. من هاد يهود، بمعنى: تهود؛ أي: تمسك بدين اليهود. وقال بعضهم: أي: مالوا عن الإِسلام والحق إلى اليهودية، وهي من الأديان الباطلة.
ثم إن الله سبحانه خاطب الكفار في أكثر المواضع بالواسطة، ومنها: هذه الآية؛ لأنهم أدخلوا الواسطة بينهم وبين الله تعالى، وهي الأصنام. وأما المؤمنون فإن الله تعالى خاطبهم في أغلب المواضع بلا واسطة، مثل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ لأنهم أسقطوا الوسائط فأسقط الله بينه وبينهم الواسطات. ﴿إِنْ زَعَمْتُمْ﴾ وقلتم، والزعم: هو القول بلا دليل. ﴿أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ﴾ وأحباؤه، جمع ولي، بمعنى حبيب. ﴿مِنْ دُونِ النَّاسِ﴾ صفة أولياء؛ أي: من دون الأميين وغيرهم ممن ليس من بني إسرائيل. وقال بعضهم: من دون المؤمنين من العرب والعجم، يريد بذلك ما كانوا يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه، ويدعون أن الدار الآخرة لهم عند الله خالصة، وقالوا: ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا﴾، فأمر رسوله - ﷺ - بأن يقول لهم إظهارًا لكذبهم: إن زعمتم ذلك ﴿فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ﴾؛ أي: فتمنوا من الله واطلبوا منه أن يميتكم وينقلكم من دار البلية إلى دار الكرامة، وقولوا: اللهم أمتنا