الجمعة قاصرة مترددة، وهي: زعمهم أنهم أولياء لله، فاقتصر على ﴿لا﴾ كما في برهان القرآن. ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾: و ﴿الباء﴾: سببية متعلقة بما يدل عليه النفي. أي: يأبون التمني بسبب ما عملوا من الكفر والمعاصي، والتحريف والتبديل وتغيير النعت النبوي، الموجبة لدخول النار، وهم يعرفون أنهم بعد الموت يعذبون بمثل هذه المعاصي.
ولما (١) كانت اليد من بين جوارح الإنسان مناط عامة أفاعيله.. عبر بها تارة عن النفس كما هنا، وأخرى عن القدرة. يعني: أن الأيدي هنا بمعنى الذوات، استعملت فيها لزيادة احتياجها إليها، فكأنها هي.
﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه ﴿عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾: وضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالظلم في كل أمورهم؛ أي: عليم بهم وبما صدر عنهم من فنون الظلم والمعاصي المفضية إلى أفانين العذاب، وبما سيكون منهم من الاحتراز عما يؤدي إلى ذلك. فوقع الأمر كما ذكر، فلم يتمن منهم أحد موته، ولا يخفى ما في هذا من شديد التهديد والوعيد.
روي عنه - ﷺ - في حق اليهود: "لو تمنوا الموت.. لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه وما بقي على وجه الأرض يهودي". وروي: أنه - ﷺ - قال لهم: "والذي نفسي بيده لا يتمناها أحد منكم إلا غص بريقه" فلم يتمن أحد منهم لعلمهم بصدقه، وأيقنوا أنهم لو تمنوه لماتوا لساعتهم وحق عليه الوعيد وحل بهم العذاب الشديد.
٨ - ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ﴾ ولا تجسرون على أن تتمنوه مخافة أن تؤخذوا بوبال كفركم. ﴿فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾ البتة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه. و ﴿الفاء﴾ (٢): لتضمن الاسم معنى الشرط باعتبار الوصف. أي: باعتبار كون الموصوف بالموصول في حكم الموصول. أي: إن فررتم من الموت.. فإنه ملاقيكم، كأن الفرار سبب لملاقاته وسرعة لحوقه، إذ لا يجد الفارّ بركة في عمره بل يفرّ إلى جانب الموت فيلاقيه الموت ويستقبله. وقيل: إذا أدبر الأمر.. كان

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon