العطب في الحيلة. ﴿ثُمَّ﴾ بعد الموت الاضطراري الطبيعي ﴿تُرَدُّونَ﴾ من الردّ، وهو: صرف الشيء بذاته أو بحالة من أحواله، يقال: رددته فارتد. والآية من الرد بالذات، مثل قوله تعالى: ﴿وَلَوْ رُدُّوالَعَادُوالِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾، ومن الرد إلى حالة كان عليها قوله تعالى: ﴿يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾. ﴿إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ الذي لا تخفى عليه أحوالكم؛ أي: ترجعون إلى حيث لا حاكم ولا مالك سواه. وإنما وصف ذاته بكونه عالم الغيب والشهادة باعتبار أحوالهم الباطنة وأعمالهم الظاهرة. ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ﴾؛ أي: فيخبركم سبحانه ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ من الكفر والمعاصي، والفواحش الظاهرة والباطنة بأن يجازيكم بها.
ومعنى الآية (١): وماذا يجديكم الفرار من الموت؟ ولماذا تمتنعون من المباهلة خوفًا على الحياة؟ فإنه سيلاقيكم البتة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه، فإن كنتم على الحق.. فلا تحفلوا بالحياة، فإن أيام الحياة مهما طال أمدها لا بد من نفاذها، ثم ترجعون بعد مماتكم إلى عالم غيب السماوات والأرض. فيخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من حسن وسيء، ثم يجازيكم على كل بما تستحقون. ولا يخفى ما في هذا من شديد التهديد، وعظيم الوعيد لو كانوا يعقلون.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾ بالفاء الرابطة، لتضمن الاسم معنى الشرط كما مرّ آنفًا. وقد منع هذا قوم منهم: الفراء، وجعلوا الفاء زائدة. وقرأ زيد بن علي ﴿إنه ملاقيكم﴾ بغير فاء، وخرَّجه الزمخشري على الاستئناف، وخبر ﴿إنّ﴾: هو الذي، كأنه قال: قل إن الموت هو الذي تفرون منه، انتهى. ويحتمل أن يكون خبر ﴿إنّ﴾ هو قوله: إنه ملاقيكم، فالجملة خبر ﴿إنّ﴾، ويحتمل أن يكون ﴿إنه﴾ توكيدًا لـ ﴿إِنَّ الْمَوْتَ﴾، و ﴿مُلَاقِيكُمْ﴾ خبر ﴿إن﴾، لما طال الكلام أكد الحرف مصحوبًا بضمير الاسم الذي لـ ﴿إن﴾، ذكره أبو حيان. وفي قراءة (٣) ابن مسعود: ﴿تفرون منه ملاقيكم﴾ من غير ﴿فإنه﴾.
٩ - ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ﴾ وأذن ﴿لِلصَّلَاةِ﴾؛ أي: لصلاة الجمعة. والنداء: رفع الصوت وظهوره، ونداء الصلاة مخصوص في الشرع بالألفاظ المعروفة. والمراد بالصلاة: صلاة الجمعة، والمراد بالأذان عند الجمهور: الأذان

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراح.


الصفحة التالية
Icon