ودلت الآية (١) على أن ذكر بعض مساوىء العاصي عند احتمال الفائدة لا يعد من الغيبة المنهي عنها، بل قد يكون مصلحة مهمة على ما روي عنه - ﷺ -: "اذكروا الفاجر بما فيه كي يحذره الناس". وفي "المقاصد الحسنة": ثلاثة ليست لهم غيبة: الإِمام الجائر، والفاسق المعلن فسقه، والمبتدع الذي يدعو الناس إلى بدعته.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿فَطُبِعَ﴾ بالبناء للمفعول، والقائم مقام الفاعل الجار والمجرور بعده. وقرأ زيد بن علي على البناء للفاعل، والفاعل ضمير يعود إلى الله سبحانه. ويدل على هذا قراءة الأعمش ﴿فطبع الله على قلوبهم﴾.
والمعنى: أي ذلك الذي فعلوه لسوء سريرتهم وقبح طويتهم، فاستهانوا بما يأتون وما يذرون، ولم يكن همهم إلا المحافظة على دمائهم وأموالهم، ومن ثم أظهروا للناس إيمانًا وأبطنوا كفرًا، وقد ختم على قلوبهم، فلا تهتدي إلى حق ولا يصل إليها خير، ومن جراء ذلك عموا عما نصب من الأدلة على صدق الرسول، وصمّت آذانهم عن سماع ما يوجب الإيمان، فهم ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾.
٤ - ثم ذكر ما لهم من جمال في الصورة واعتدال في القوام، فقال: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ﴾؛ أي: رأيت أولئك المنافقين. والرؤية بصرية والخطاب للنبي - ﷺ -، وقيل: لكل من يصلح له. ويدل عليه قراءة من قرأ ﴿يُسْمَع﴾ على البناء للمفعول. ﴿تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ﴾؛ أي: هيئآتهم ومناظرهم. يعني: أن لهم أجسامًا تعجب من يراها؛ لما فيها من النضارة والرونق وصباحة الوجه. ﴿وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ فتحسب أن قولهم حق وصدق؛ لفصاحتهم وذلاقة ألسنتهم. وقد كان عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين فصبحًا جسيمًا جميلًا، وكان يحضر مجلس النبي - ﷺ -، فإذا قال.. سمع النبي - ﷺ - مقالته. قال الكلبي المراد عبد الله بن أبيّ، وجد بن قيس، ومعتب بن قيس، كانت لهم أجسام ومنظر وفصاحة. و ﴿اللام﴾ (٣): في قوله: ﴿تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ صلة. وقيل: تصغي إلى قولهم. وكان عبد الله بن أبيّ ونفر من أمثاله - وهم -: رؤساء المدينة - يحضرون مجلس النبي - ﷺ -، وكان النبي - ﷺ -
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.