آدم ولا فخر"؛ أي: لا أفتخر بالسيادة، بل افتخر بالعبودية، وفيها عزتي، إذ لا عزة إلا في طاعة الله ولا ذل إلا في معصية الله. وقال بعضهم: عزة الله: قهره من دونه، وعزة رسوله: بظهور دينه على سائر الأديان كلها، وعزة المؤمنين: استذلالهم اليهود والنصارى، كما قال: ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾. وقيل: عزة الله: الولاية، لقوله تعالى: ﴿هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ﴾، وعزة رسوله: الكفاية، لقوله تعالى: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥)﴾، وعزة المؤمنين: الرفعة؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
يقول الفقير: أشار تعالى بالترتيب إلى أن العزة له بالأصالة والدوام، وصار الرسول مظهرًا له في تلك العزة، ثم صار المؤمنون مظاهر له - ﷺ - فيها. فعزة الرسول بواسطة عزة الله وعزة المؤمنين بواسطة الرسول، سواء أعاصروه - ﷺ - أم أتوا بعده، إلى قيام الساعة. وجميع العزة لله؛ لأن عزة الله له تعالى صفة، وعزة الرسول وعزة المؤمنين فعلًا ومنةً وفضلًا كما قال القشيري - رحمه الله تعالى -: العز الذي للرسول وللمؤمنين هو لله تعالي خلقًا وملكًا، وعزه سبحانه له وصفًا، فإذا العزة كلها لله. وبهذا يجمع بين قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾، وبين قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
ومن أدب مَنْ عرف أنه تعالى هو العزيز: أن لا يعتقد لمخلوق إجلالًا؛ ولهذا قال - ﷺ -: "من تواضع لغني لأجل غناء.. ذهب ثلثا دِينه". قال أبو علي الدقاق - رحمه الله -: إنما قال: "ثلثا دينه" لأن التواضع يكون بثلاثة أشياء: بلسانه، وبدنه، وقلبه. فإذا تواضع له بلسانه وبدنه ولم يعتقد له العظمة بقلبه.. ذهب ثلثا دِينه، فإن اعتقدها بقلبه أيضًا.. ذهب كل دِينه. لهذا قيل: إذا عظم الرب في القلب.. صغر الخلق في العين. ومتى عرفت أنه معز.. لم تطلب العز إلا منه، ولا يكون العز إلا في طاعته.
والمعنى (١): أي يقول عبد الله أبيّ ومن يلوذ به من صحبه: لئن عدنا إلى المدينة.. لنخرجنكم منها أيها المؤمنين، فإننا الأقوياء الأشداء الأعزاء وأنتم الضعفاء الأذلاء، فرد الله عليهم مقالهم، فقال: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾؛