وطاعتهم، وهو الحقيق بالحمد على ما أنعم به على عباده من النعم المتظاهرة عليهم ظاهرة وباطنة.
﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا﴾ والزعم (١): ادعاء العلم، فمعنى أزعمُ زيدًا قائمًا: أقول إنه كذا، ففي تصدير الجملة بقوله: أَزعمُ، إشعار بأنه لا سند للحكم سوى ادعائه إياه وقوله به. ويتعدى إلى مفعولين تعدي العلم وقد قام هنا مقامهما ﴿أنْ﴾ المخففة مع ما في حيزها، فـ ﴿إنْ﴾ مخففة لا ناصبة لئلا يدخل ناصب على مثله، والمراد بالموصول كفار مكة؛ أي: زعم كفار مكة وادعوا أن الشأن لن يبعثوا بعد موتهم أبدأ ولن يقاموا ويخرجوا من قبورهم. وعن شريح: لكل شيء كنية، وكنية الكذب زعموا. وقال بعض المخضرمين لابنه: هب لي من كلامك كلمتين: زعم وسوف، انتهى.
ويكره (٢) للرجل أن يكثر لفظ الزعم وأمثاله، فإنه تحديث بكل ما سمع، وكفى بذلك كذبًا، وإذا أراد أن يتكلم.. تكلم بما هو محقق، لا بما هو مشتبه. وبذلك يتخلص من أن يحدث بكل ما سمع، فيكون معصومًا من الكذب.. كذا في "المقاصد الحسنة".
ثم أمر سبحانه رسوله - ﷺ - بأن يرد عليهم ويبطل زعمهم فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد ردًا لهم وإبطالًا لزعمهم بإثبات ما نفوه: ﴿بَلَى﴾؛ أي: تبعثون. فإن ﴿بَلَى﴾ لإيجاب النفي الذي قبله. ﴿وَرَبِّي﴾؛ أي: أقسمت لكم بربي ومالك أمري؛ أي: أقسمت لكم بربي: بلى تبعثون من قبوركم. وظاهر كلام "اللباب" أن يكون ﴿وَرَبِّي﴾ قسمًا متعلقًا بما قبله قد تم الكلام عنده، وحسن الوقف عليه. ويجعل ﴿لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ﴾ جواب قسم آخر مقدر مستأنف لتأكيد الأول؛ أي: والله لتبعثن وتخرجن من قبوركم، ثم لتخبرن بما عملتم في الدنيا ثم تجازون عليه في الآخرة لا محالة. و ﴿ثُمَّ﴾ (٣) لتراخي المدة لطول يوم القيامة، أو لتراخي الرتبة. ولعل فائدة الإخبار بالقسم مع أن المشركين ينكرون الرسالة كما ينكرون البعث إبطالٌ لزعمهم بالتشديد والتأكيد؛ ليتأثر من قدر الله له الإنصاف، وتتأكد الحجة على من لم يقدر له وكان محرومًا بالكلية. قال بعضهم: ولعل حكمة اختيار لفظ الرب في القَسم
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.