ومن المفسرين من حمل العداوة على العداوة الدنيوية، وقالوا: إن الزوجات والأولاد ربما آذوا أزواجهم وآباءهم، وجرعوهم الغصص والآلام، وربما جرّ ذلك إلى وضع السم في الدسم أو إلى قتلهم، وفي المشاهد أكبر عبرة لمن اعتبر.
والخلاصة (١): أنه إما أن يراد بالعداوة العداوة الأخروية، فإن الأزواج والأولاد ربما أضرّوا بأزواجهم وآبائهم فيها إذا منعوهم عن عمل الخير لها، وإما أن يراد العداوة في الدنيا، فتكون عداوة حقيقية بينهم لها آثارها الدنيوية.
ثم أرشدهم إلى التجاوز عن بعض هناتهم فقال: ﴿وَإِنْ تَعْفُوا﴾ عن ذنوبهم القابلة للعفو؛ بأن تكون متعلقة بأمور الدنيا أو بأمور الدين، لكن مقارنة للتوبة. ﴿وَتَصْفَحُوا﴾؛ أي: تعرضوا عنها بترك التثريب والتعيير. يقال: صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه والتثريب عليه. ﴿وَتَغْفِرُوا﴾ بإخفائها وتمهيد عذرها ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾؛ أي: بليغ المغفرة والرحمة لكم ولهم، يعاملكم بمثل ما عملتم ويتفضل عليكم.
قيل: كان رجل ثبطه أزواجه وأولاده عن الهجرة، لما رأى الناس قد سبقوه إليها وفقهوا في الدين.. هم أن يعاقب أزواجه وأولاده، فأنزل الله ﴿وَإِنْ تَعْفُوا﴾ الآية، والآية تعم وإن كان السبب خاصًا.
وحكي أن الحطيئة - شاعر مشهور - أراد سفرًا، فقال لامرأته:
عُدِّي السِّنِيّنَ لِغَيْبَتِي وَتَصَبَّرِيْ | وَذَرِي الشُّهُورَ فَإِنَّهُنَ قِصَارُ |
وَاذْكُرْ صَبَابَتَنَا إِلَيْكَ وَشَوْقَنَا | وَارْحَمْ بَنَاتِكَ إِنَّهُن صِغَارُ |
١٥ - ثم أخبر سبحانه بان الأموال والأولاد فتنة، فقال: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾؛ أي: بلاء واختبار ومحنة، يحملونكم على كسب الحرام ومنع حق الله، فلا تطيعوهم في معصية الله.