خيرًا لأنفسكم واقصدوا ما هو أنفع لها. وهو تأكيد للحث على امتثال هذه الأوامر، وبيان لكون الأمور المذكورة خيرًا لأنفسهم من الأموال والأولاد، وما هم عاكفون عليه من حب الشهوات وزخارف الدنيا.
والمعنى: ﴿وَاسْمَعُوا...﴾ إلخ؛ أي: كونوا منقادين لما يأمركم الله ورسوله به، ولا تحيدوا عنه يمنة ولا يسرة، ولا ترتكبوا ما نهيتم عنه، وابذلوا مما رزقكم الله على الفقراء والمساكين وذوي الحاجات، وفي الوجوه التي يكون فيها صلاح الأمة والملة وسعادة الدين والدنيا، يكن ذلك خيرًا لأنفسكم من الأموال والأولاد. وهذا حث على البذل، وبيان أن الامتثال خير لا محالة.
ثم زاد في الحث على الإنفاف، فقال: ﴿وَمَن يُوقَ﴾ ويعصم ﴿شُحَّ نَفْسِهِ﴾؛ أي: بُخْلَ نفسه عن الإنفاق؛ أي: ومن يقه الله سبحانه ويعصمه من بخل نفسه الذي هو الرذيلة المعجونة في طينة النفس. وهو مضارع مجهول مجزوم الآخر بـ ﴿من﴾ الشرطية من الوقاية المتعدية إلى مفعولين. و ﴿شُحَّ﴾ مفعول ثان له باق على النصب والأول: الضمير القائم مقام الفاعل. ﴿فَأُولَئِكَ﴾ الموقون شح النفس ﴿هُمُ﴾ لا غيرهم ﴿الْمُفْلِحُونَ﴾؛ أي: الفائزون بكل خير.
والمعنى (١): ومن يبتعد عن البخل والحرص على المال.. يكن من الفائزين بكل ما يرجو وقيل كل ما يبغي في دينه ودنياه، فيكون محببًا إلى الناس قرير العين برضاهم عنه وحنوهم عليه، سعيدًا في الآخرة بالقرب من ربه ومحبته ورضوانه ودخول جنانه.
١٧ - ثم بالغ في الحث على الإنفاف أيضًا، فقال: ﴿إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى بصرف أموالكم إلى المصارف التي عينها. وذِكرُ القرض تلطفّ في الاستدعاء. ﴿قَرْضًا حَسَنًا﴾؛ أي (٢): قرضًا مقرونًا بالإخلاص وطيب النفس. والقرض في العرف: أن يعطي أحدًا شيئًا من ماله ليرد بدله، وإقراض الله مثل لتقديم العمل الذي يطلب ثوابه من الله. و ﴿قَرْضًا﴾ إن كان بمعنى إقراضًا.. كان نصبه على المصدرية وإن كان بمعنى مقرضًا من النفقة.. كان مفعولًا ثانيًا لـ ﴿تُقْرِضُوا﴾ لأن
(٢) روح البيان.