والمعنى: أي لا يخرجن من بيوتهن إلا إذا فعلن ما يوجب حدًا، من زنا أو سرقة أو غيرهما، كما أخرجه عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب، أو يبدون على الأحماء أو الأزواج. فيحل إخراجهن من بيوتهن لبذائهن وسوء خلقهن. أو خرجن متجولات عن منازلهن اللائي يجب عليهن أن يكملن العدة فيها، فأي ذلك فعلن فللأزواج إخراجهن من البيوت لإتيانهن بالفاحشة الواضحة التي ارتكبنها.
﴿وَتِلْكَ﴾ الأحكام ﴿حُدُودُ اللَّهِ﴾ وأحكامه التي عينها لعباده. والحد: الحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر؛ أي: هذه الأمور التي بينتها لكم، من الطلاق للعدة، واحصاء العدة، والأمر باتقاء الله، وأن لا تخرج المطلقة من بيتها إلا أن تأتي بفاحشة مبينة.. هي حدود الله وأحكامه التي حدّها لكم، فلا تتعدوها ولا تتجاوزوها.
ثم بيّن عاقبة تجاوز تلك الحدود، فقال: ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ﴾ أصله (١): يتعدى، فحذفت اللام بـ ﴿مَنْ﴾ الشرطية، وهو من التعدي بمعنى التجاوز؛ أي: ومن يتجاوز ﴿حُدُودَ اللَّهِ﴾؛ أي: حدوده المذكورة وأحكامه، بأن أخل بشيء منها، والإظهار في مقام الإضمار لتهويل أمر التعدي، والأشعار بعلية الحكم في قوله تعالى: ﴿فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾؛ أي: أضر بها؛ أي: ومن يتجاوز ما شرع الله لعباده من شرائع وما أبيح له إلى ما لم يبح له.. فقد ظلم نفسه وأضر بها من حيث لا يدري.
ثم بيّن علة هذا الضرر، فقال: ﴿لَا تَدْرِي﴾ ولا تعلم أيها المرء. تعليل لمضمون الشرطية؛ أي: فإنك أيها المطلق المتعدِّي لا قدر ولا تعلم عاقبة أمرك وأمر المطلقة. ومفعول الدراية محذوت كما قدرنا. وجملة ﴿لَعَلَّ اللَّهَ...﴾ إلخ، مستأنفة لا تعلق لها بما قبلها؛ لأن الجمهور لم يعدوا ﴿لَعَلَّ﴾ من المعلقات، كما في "السمين". و ﴿لَعَلَّ﴾ بمعنى: ﴿إنَّ﴾ الناصبة؛ أي: لا تدري ولا تعلم أيها المطلق المتعدي بإيقاع ثلاث طلقات عاقبة أمرك وأمر المطلقة، فإن الله سبحانه ربما ﴿يُحْدِثُ﴾ ويوجد في قلبك ﴿بَعْدَ ذَلِكَ﴾ الذي فعلت من التعدي عليها وإيقاع ثلاث طلقات ﴿أَمْرًا﴾ يقتضي خلاف ما فعلته من التعدي، فيبدل ببغضها محبة وبالإعراض عنها إقبالًا إليها، ولا يمكن تداركه برجعة أو استئناف نكاح، فإن القلوب بين

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon