وقوله: ﴿ذَلِكُمْ﴾ إشارة إلى الحث على الشهادة والإقامة، أو على جميع ما في الآية من إيقاع الطلاق على وجه السنة، وإحصاء العدة، والكف عن الإخراج والخروج، والإشهاد، وإقامة الشهادة بإدائها على وجهها من غير تبديل ولا تغيير. وهو مبتدأ خبره ﴿يُوعَظُ بِهِ﴾ الوعظ: زجر يقترن بتخويف؛ أي: يتعظ به ﴿مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر﴾ وخص (١) المؤمن بالله واليوم الآخر؛ لأنه المتنفع بذلك دون غيره، ولأنه المقصود تذكيره. ولم يقل: ذلكم توعظون به كما في سورة المجادلة لتهييج المؤمنين على المغيرة، فإن من لا غيرة له لا دين له. ومِنْ مقتضى الإيمان بالله: مراعاة حقوق المعبودية والربوبية، وباليوم الآخر: الخوف من الحساب والعذاب، والرجاء للفضل والثواب. فالمؤمن بهما يستحيي من الخالق والخلق فلا يترك العمل بما وعظ به.
والمعنى (٢): أي هذا الذي أمرتكم به وعرفتكم عنه، من أمر الطلاق والواجب لبعضكم على بعض حين الفراق أو الإمساك، عظة منا لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ ليعمل على نهجها وطريقتها.
ودلت الآية (٣) على أن للإنسان يومين: اليوم الأول وهو يوم الدنيا، واليوم الآخر وهو يوم الآخرة. واليوم عرفًا: زمان طلوع الشمس إلى غروبها، وشرعًا: زمان طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس. وهذان المعنيان ليسا بمرادين هنا، وهو ظاهر، فيكون المراد مطلق الزمان، ليلًا كان أو نهارًا، طويلًا كان أو قصيرًا. وذلك الزمان إما محدود؛ وهو زمان الدنيا المراد باليوم الأول، أو غير محدود؛ وهو زمان الآخرة المراد باليوم الآخر الذي لا آخر له لتأخره عن يوم الدنيا.
ثم أتى بجملة معترضة بين ما سلف وما سيأتي لتأكيد ما سبق من الأحكام والخروج من مشاكلها بعد اتقاء الله سبحانه فقال: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ﴾ سبحانه في طلاق البدعة، فطلق للسنة ولم يضار المعتدة، ولم يخرجها من مسكنها، واحتاط في الإشهاد وغيره من الأمور ﴿يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ مصدر ميمي؛ أي: خروجًا وخَلاصًا مما عسى يقع في شأن الأزواج من الغموم والوقوع في المضايق، ويفرج عنه ما يعتريه من الكروب. وقال بعضهم: هو عام؛ أي: ومن يتق الله في كل ما يأتي وما

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon