العبد ما دام العبد في عون أخيه".
﴿وَإِذَا قِيلَ﴾ لكم أيها المؤمنون، سواء كان القائل رسول الله - ﷺ - أو غيره ﴿انْشُزُوا﴾ مِنْ نشز الرجل إذا نهض وارتفع في المكان؛ أي (١): وإذا قيل لكم: قوموا للتوسعة على المقبلين؛ أي: على من جاء بعدكم.. ﴿فَانْشُزُوا﴾؛ أي: فارتفعوا وقوموا؛ يعني: إذا كثرت المزاحمة، وكانت بحيث لا تحصل التوسعة، بتنحي أحد الشخصين عن الآخر حال قعود الجماعة وقيل: قوموا جميعًا، تفسحوا حال القيام.. فانشزوا وانهضوا، ولا تثاقلوا عن القيام. أو إذا قيل لكم: قوموا عن مواضعكم فانتقلوا منها إلى موضع آخر لضرورة داعية إليه.. أطيعوا من أمركم به، وقوموا من مجالسكم وتوسعوا لإخوانكم. ويؤيده: أنه - ﷺ - كان يكرم أهل بدر، فأقبلت جماعة، منهم: ثابت بن قيس، فلم يوسعوا لهم... إلى آخر ما مر في الحديث السابق آنفًا. فأنزل الله الآية، فالقائل هو الرسول - ﷺ -.
ويقال: وإذا قيل: انشزوا - أي: انهضوا - عن مجلس رسول الله؛ أي: أمرتم بالنهوض عنه.. فانهضوا، ولا تملوا رسول الله - ﷺ - بالارتكان فيه. أو قيل لكم: انهضوا إلى الصلاة، أو إلى الجهاد، أو الشهادة أو غير ذلك من أعمال الخير.. انهضوا لا تفرطوا، فالقائل يعم الرسول وغيره.
والظاهر (٢): حمل الآية على العموم، والمعنى: إذا قيل لكم: انهضوا إلى أمر من الأمور الدينية.. فانهضوا، ولا تتثاقلوا. ولا يمنع من حملها على العموم كون السبب خاصًا، فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما هو الحق.
وقرأ أبو جعفر، وشيبة، والأعرج، وابن عامر، ونافع، وحفص بضم الشين في الموضعين. وقرأ الحسن، والأعمش، وطلحة، وباقي السبعة بكسرها فيهما. وهما لغتان بمعنى واحد.
وقال المراغي: والمعنى (٣): أي وإذا دعيتم إلى القيام عن مجلس رسول الله - ﷺ -.. فقوموا؛ لأن الرسول - ﷺ - كان يؤثر الانفراد أحيانًا لتدبير شؤون الدين، أو لأداء وظائف تخصه لا تؤدى أو لا يكمل أداؤها إلا بالانفراد. وقد
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.