قال في "برهان القرآن": أمر بالتقوى في أحكام الطلاق ثلاث مرات وعدَّ في كل مرة نوعًا من الجزاء، فقال أولًا: يجعل له مخرجًا يخرجه مما دخل فيه، وهو يكرهه، ويهيء له محبوبه من حيث لا يؤمل. وقال في الثاني: يسهل عليه الصعب من أمره، ويفتح له خيرًا ممن طلقها. والثالث: وعد عليه الجزاء بأفضل الجزاء، وهو ما يكون في الآخرة من النعماء، إشارة إلى تعداد النعم المترتبة على التقوى.
٦ - وقوله: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ﴾: كلام مستأنف (١) وقع جوابًا لسؤال مقدر نشأ مما قبله من الحث على التقوى، كانه قيل: كيف نعمل بالتقوى في شأن المعتدات؟ فقيل: أسكنوهن ﴿مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ﴾؛ أي: بعض مكان سكناكم. والخطاب للمؤمنين المطلقين. ﴿مِنْ وُجْدِكُمْ﴾؛ أي: من وسعكم وطاقتكم؛ أي: مما تطيقونه. قال الفراء: فإن كان موسعًا عليه.. وسع عليها في المسكن والنفقة، وإن كان فقيرًا.. فعلى قدر ذلك. قال قتادة: إن لم تجد إلا ناحية بيتك، فأسكنها فيه، انتهى.
وقوله تعالى: ﴿مِنْ وُجْدِكُمْ﴾ عطف بيان لقوله: ﴿مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ﴾ وتفسير له.
وفي "عين المعاني": و ﴿مِنْ﴾ لتبيين الجنس لما في ﴿حَيْثُ﴾ من الإبهام، انتهى. واعترض عليه أبو حيان: بأنه لم يعهد في عطف البيان إعادة العامل، إنما عهد ذلك في البدل، فالوجه جعله بدلًا.
قال صاحب "اللباب": إن كانت الدار التي طلقها فيها ملكه.. يجب عليه أن يخرج منها ويترك الدار لها مدة عدتها، وإن كانت الدار بإجارة.. فعليه الأجرة، وإن كانت عارية فرجع المعير.. فعليه أن يكتري لها دارًا تسكنها. قال في "كشف الأسرار": وأما المعتدة من وطء الشبهة والمفسوخ نكاحها بعيب أو خيار عتق.. فلا سكنى لها ولا نفقة وإن كانت حاملًا، انتهى. وقد اختلف (٢) أهل العلم في المطلقة ثلاثًا هل لها سكنى ونفقة أم لا؟ فذهب مالك والشافعي أن لها السكنى ولا نفقة لها، وذهب أبو حنيفة وأصحابه أن لها السكنى والنفقة، وذهب أحمد وإسحاق، وأبو ثور أنه لا نفقة لها ولا سكنى، وهذا هو الحق، قاله الشوكاني.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿مِنْ وُجْدِكُمْ﴾ بضم الواو. وقرأ الحسن، والأعرج وابن

(١) روح البيان.
(٢) فتح القدير.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon