فيلزمها حينئذٍ. فإن اختلفا في الأجرة: فإنْ دعت إلى أجرة المثل وامتنع الأب إلا تبرعًا.. فالأم أولى بأجر المثل؛ إذ لم يجد الأب متبرعة، وإن دعا الأب إلى أجر المثل وامتنعت الأم لتطلب شططًا.. فالأب أولى به، فإن أعسر الأب بأجرتها.. أجبرت على إرضاع ولدها، أنتى.
﴿وَأْتَمِرُوا﴾ أيها الآباء والأمهات، وتشاوروا فيما ﴿بَيْنَكُمْ﴾ في شؤون أولادكم، وافعلوا فيهم ﴿بِمَعْرُوفٍ﴾؛ أي: بما هو معروف وجميل وإحسان ومتعارف بين الناس غير منكر عندهم؛ أي: ليأمر بعضكم بعضًا بجميل في الإرضاع والأجر، وهو المسامحة. ولا يكن من الأب مماكسة، ولا من الأم معاسرة؛ لأنه ولدهما معًا، وهما شريكان فيه في وجوب الإشفاق عليه.
ومعنى الآية (١): أي فإن أرضعن لكم وهن طوالق قد بِنَّ بانقضاء عدتهن.. فلهن حينئذ أن يرضعن الأولاد، ولهن أن يمتنعن، فإن أرضعن.. فلهن أجر المثل، ويتفقن مع الآباء أو الأولياء عليه. وفي هذا إيماء إلى أن حق الرضاع والنفقة للأولاد على الأزواج، وحق الإمساك والحضانة على الزوجات. ﴿وَأْتَمِرُوا﴾؛ أي: وتشاوروا فيما بينكم أيها الآباء والأمهات في شؤون الأولاد بما هو أصلح لهم في أمورهم الصحية والخلقية والثقافية، ولا تجعلوا المال عقبة في سبيل إصلاحهم، ولا يكن من الآباء مماكسة في الأجر وسائر النفقات، ولا من الأمهات معاسرة وإحراج للآباء، فالأولاد هم فلذات أكبادهم، فليحافظوا عليهم جهد المستطاع.
ثم أرشد إلى ما يجب أن يعمل إذا لم يحصل الوفاق بين الأبوين في الإنفاق، فقال: ﴿وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ﴾ أيها الآباء والأمهات؛ أي: تضايقتم وتشاكستم وتنازعتم في أجر الرضاع؛ كأن أبى الأب أن يعطي الأم أجرة إرضاعها، وأبت الأم أن ترضع الولد مجانًا ﴿فَسَتُرْضِعُ﴾ الولد ﴿لَهُ﴾؛ أي: لوالده امرأة ﴿أُخْرَى﴾ فليس له إكراه الأم على إرضاعه بل يستأجر الأب للصبي مرضعة غير أمه. وهذا أصل في وجوب نفقة الولد على الوالد دون الأم. والضمير (٢) في ﴿لَهُ﴾ للأب كما في "الكشاف" وهو الموافق لقوله: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ﴾، أو للصبي والولد كما في "الجلالين" وفيه: أن الظاهر حينئذ أن يقول: فسترضعه، وفيه معاتبة للأم على المعاسرة، كما تقول لمن
(٢) روح البيان.