زمان، وكل آت قريب ولو كان الآخرة. ﴿بَعْدَ عُسْرٍ﴾ وضيق ﴿يُسْرًا﴾؛ أي: سعة؛ أي: سيجعل بعد شدة رخاء، ومن بعد ضيق سعة، ومن بعد فقر غنى، فالدنيا لا تدوم على حال كما قال سبحانه: ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٦)﴾، وهذا كالبشرى للمؤمنين الذين كان يغلب عليهم الفقر والفاقة في ذلك الوقت.
أي: فلينتظر المعسر اليسر وفرج الله، فإن الانتظار عبادة، وفيه: تطييب لقلب المعسر، وترغيب له في بذل مجهوده، ووعد لفقراء الأزواج لا لفقراء ذلك الوقت عمومًا، كما جوزه الزمخشري، حيث قال: وعد لفقراء ذلك الوقت بفتح أبواب الرزق عليهم، أو لفقراء الأزواج إن أنفقوا ما قدروا عليه، ولم يقصروا.
ولو عجز عن نفقة زوجته يفرق بينهما، قاله أبو هريرة، والحسن، وابن المسيب، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. وقال عمر بن عبد العزيز وجماعة: لا يفرق بينهما.
وقرأ الجمهور: ﴿لِيُنْفِقْ﴾ بلام الأمر. وحكى أبو معاذ: (لينفَقَ) بلام كي ونصب القاف، ويتعلق بمحذوف تقديره: شرعنا ذلك لينفقَ. وقرأ الجمهور: ﴿قُدِرَ﴾ مخففًا، وابن أبي عبلة مشدد الدال.
٨ - ولما ذكر سبحانه ما تقدم من الأحكام.. حذر من مخالفتها، وذكر عتو قوم خالفوا أوامره، فحل بهم عذابه، فقال: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ﴾؛ أي: وكثير من أهل قرية. و ﴿كأين﴾ بمعنى (كم) الخبرية في كونها للتكثير. والقرية: اسم لموضع اجتماع الناس، فهو من حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، ثم وصفه بصفته، أو من المجاز العقلي والإسناد إلى المكان. وهذه الآية تحذير للناس عن المخالفة في الأحكام المذكورة وتأكيد لإيجابها عليهم.
﴿عَتَتْ﴾ أي: استكبرت وأعرضت ﴿عَنْ﴾ امتثال ﴿أَمْرِ رَبِّهَا﴾ وإجابة دعوة ﴿وَرُسُلِهِ﴾ تعالى بسبب التجاوز عن الحد في التكبر والعناد. والعتو: الاستكبار ومجاوزة الحد فيه. والعتو لا يتعدى بـ ﴿عَنْ﴾، وإنما عُدِّيَ بها لتضمينه معنى الإعراض؛ كأنه قيل: أعرضت عن أمر ربها وأمر رسل ربها، بسبب التجاوز عن الحد في التكبر والعناد.


الصفحة التالية
Icon