الزلات، وأبان لهن أن الله كالىء رسوله وناصره فلا يضره تظاهرهن عليه، ثم حذرهن من التمادي في مخالفته - ﷺ - خوفًا من الطلاق وحرمانهن من الشرف العظيم بكونهن أمهات المؤمنين، ومن استبدال غيرهن بهن من صالحات المؤمنات.. أمر المؤمنين عامة بوقاية أنفسهم وأهليهم من نار وقودها الناس والحجارة يوم القيامة، يقال للكافرين: لا تعتذروا فقد فات الأوان، وإنما تلقون جزاء ما عملتم في الدنيا، ثم أمر المؤمنين أن يقلعوا عن زلّاتهم وأن يتوبوا توبة نصوحًا، فيندموا على ما فرط منهم من الهفوات، ويعزموا على عدم العودة فيما هو آت، ليكفر الله عنهم سيئاتهم ويدخلهم جنات النعيم.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّار...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أمر (١) المؤمنين بالتوبة النصوح والرجوع إلى الله والإخبات له.. أمر رسوله بقتال الكفار الذين يقفون في سبيل الدعوة إلى الإيمان بالله، وبوعيد المنافقين والغلظة عليهم حتى يثوبوا إلى رشدهم، وذكر أن جزاءهم في الآخرة جهنم وبئس المقيل والماوى.
قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ...﴾ إلى آخر السورة، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أمر عباده المؤمنين بالتوبة النصوح، بالندم على ما فات وعدم العودة فيما هو آت، وأمر رسوله بجهاد الكافرين والمنافقين والغلظة عليهم في القول والعمل.. ذكر هنا أن النفوس إن لم تكن مستعدة لقَبول الإيمان وفي جوهرها صفاء ونقاء.. فلا يجدي فيها الغلظة والعبرة ولا مخالطة المؤمنين المتقين، وضرب لذلك المثل بامرأة نوح وامرأة لوط، فقد كانتا في بيت النبوة ولم يلن قلبهما للإيمان والإسلام، كذلك إذا كان جوهر النفس نقيًا خالصًا من كدورة الكفر والنفاق فمجاورتها للكفرة وعشرتها إياهم لا تغير من حالها شيئًا، ولا يؤثر فيها ضلال الضالين، ولا عتو الظالمين، وضرب لذلك مثلًا بامرأة فرعون التي ألحف عليها فرعون وقومه أن تعتنق الوثنية التي كانوا يدينون بها، وتعتقد ألوهيته هو، فأبت وجاهدت في الله حق جهاد حتى لاقت ربها، وهي آمنة مطمئنة قريرة العين بما دخل في قلبها من نور الإيمان،

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon