واذكر يا محمد وقت إسرار النبي وإخفاءه حديثًا إلى بعض أزواجه على وجه التأنيب والعتاب. أو: واذكروا أيها المؤمنون. فالخطاب إن كان له - ﷺ -.. فالإظهار في مقام الإضمار، بأن قيل: وإذ أسررت، للتعظيم بإيراد وصف ينبىء عن وجوب رعاية حرمته ولزوم حماية حرمه عما يكرهه، وإن كان لغيره عمومًا على الاشتراك، أو خصوصًا على الانفراد.. فذكره بوصف النبي للإشعار بصدقه في دعوة النبوة.
﴿إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ﴾ وهي حفصة رضي الله عنها. تزوجها النبي - ﷺ - في شعبان على رأس ثلاثين شهرًا من الهجرة قبل أحد بشهرين، وكانت ولادتها قبل النبوة بخمس سنين، وقريش تبني البيت وماتت بالمدينة في شعبان سنة خمس وأربعين، وصلى عليها مروان بن الحكم، وهو أمير المدينة يومئذ، وحمل سريرها، وحمله أبو هريرة أيضًا، وقد بلغت ثلاثًا وستين سنة، وأبو حفص أبوها عمر رضي الله عنه كناه رسول الله - ﷺ - به، والحفص ولد الأسد. ﴿حَدِيثًا﴾ قال الراغب: كل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي في يقظته أو منامه يقال له: حديث. والمراد: حديث تحريم مارية، أو العسل، أو أمر الخلافة. قال الكلبي: أسر إليها أن أباك وأبا عائشة يكونان خليفتي على أمتي من بعدي. قال سعدي المفتي فيه: أن تحريم العسل ليس مما أسر إلى حفصة، بل كان ذلك عند عائشة، وسودة وصفية رضي الله تعالى عنهن. ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ﴾؛ أي: أخبرت حفصة صاحبتها التي هي عائشة ﴿بِهِ﴾، أي: بالحديث الذي أسره إليها رسول الله - ﷺ - وأفشته إليها.
وقرأ الجمهور: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ﴾. وقرأ طلحة: ﴿أنبات﴾، ﴿وَأَظْهَرَهُ﴾ - ﷺ - ﴿اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَلَيْهِ﴾؛ أي: على إفشاء حفصة ذلك الحديث إلى عائشة؛ أي: أطلع الله سبحانه نبيه على إفشاء حفصة ذلك الحديث على لسان جبريل، فالضمير في ﴿عَلَيْهِ﴾ راجع إلى الحديث، بتقدير المضاف المذكور، وضمن ﴿أظهر﴾ معنى أطلع، فعداه بـ ﴿على﴾ إلى المفعول الثاني، من ظهر فلان السطح، إذا علاه، وحقيقته: صار على ظهره، وأظهره على السطح؛ أي: رفعه عليه، فاستعير للاطلاع على الشيء، وهو من باب الإفعال.
﴿عَرَّفَ﴾ النبي - ﷺ - حفصة. وقرأ الجمهور (١): ﴿عَرَّفَ﴾ بتشديد الراء من