أقوياء على الأفعال الشديدة، يعملون بأرجلهم كما يعملون بأيديهم. وقيل: غلاظ على أهل النار، شداد عليهم لا يرحمونهم إذا استرحموهم؛ لأن الله سبحانه خلقهم من غضبه، وحبب إليهم تعذيب خلقه لا لذة لهم إلا فيه، فمقتضى جبلَّتهم تعذيب الخلق بلا مرحمة كما أن مقتضى جبلة الحيوان الأكل والشرب، ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة، أو كما بين المشرق والمغرب، يضرب أحدهم بمقمعة ضربة واحدة، فيهوون في النار سبعين ألفًا من أهل النار.
وقيل: الغلاظ: ضخام الأجسام، والشداد: الأقوياء.
﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ﴾ سبحانه ﴿مَا أَمَرَهُمْ﴾؛ أي (١): لا يعصون أمره في عقوبة الكفار وغيرها، على أنه بدل اشتمال من ﴿اللَّهَ﴾، و ﴿مَا﴾ مصدرية؛ أو: لا يعصونه فيما أمرهم به، على نزع الخافض، و ﴿مَا﴾ موصولة؛ أي: لا يمتنعون من قبول الأمر كأعوان ملوك الدنيا يمتنعون بالرشوة، بل يلتزمونه ويعزمون على إتيانه. فليست هذه الجملة مع التي بعدها في معنى واحد. ﴿وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾؛ أي: يؤدون ما يؤمرون به من تعذيب الكفار من غير تثاقل وتوان، وتأخير وزيادة ونقصان. وقال القاضي: لا يعصون الله ما أمرهم فيما مضى، ويستمرون على فعل ما يؤمرون به في المستقبل. وقال الزمخشري. فإن قلت (٢): أليست الجملتان في معنى واحد؟
قلت: لا، فإن معنى الأولى: أنهم يتقبلون أوامره، يلتزمونها ولا يأبونها ولا ينكرونها، ومعنى الثانية: أنهم يؤدون ما يؤمرون به من تعذيب الكفار، لا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه، انتهى.
وقال بعضهم (٣): لعل التعبير في الأمر أولًا بالماضي مع نفي العصيان بالمستقبل؛ لما أن العصيان وعدمه يكونان بعد الأمر، وثانيًا بالمستقبل؛ لما أن أمرهم بعذاب الأشقياء يكون مرة بعد مرة. قال بعض الكبار: في هذه الآية دليل على عصمة جميع الملائكة السماوية، وذلك لأنهم عقول مجردة بلا منازع ولا شهوة فيهم مطيعون بالذات، بخلاف البشر والملائكة الأرضية الذين لا يصعدون إلى
(٢) الكشاف.
(٣) روح البيان.