فجعله فيئًا لله ورسوله، ينفق مثله على أهله نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله، ولا يقسم بين المقاتلة كالغنيمة؛ لأنهم لم يقاتلوا لأجله.
روي: أن الصحابة رضي الله عنهم طلبوا من الرسول - ﷺ - أن يقسم الفيء بينهم كما قسم الغنيمة في بدر وغيرها بينهم، فبيّن سبحانه الفرق بين الأمرين: بأن الغنيمة تكون فيما أتعبتم أنفسكم في تحصيله وأوجفتم عليه الخيل والركاب، والفيء فيما لم تتحلوا في تحصيله تعبًا. وحينئذٍ يكون أمره مفوّضًا إلى الرسول - ﷺ - يضعه حيث يشاء.
قوله تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما بيّن مصارف الفيء فيما سلف، وذكر أنه لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين.. ذكر هنا أنه أراد بهم فقراء المهاجرين الذين لهم هذه الصفات السامية والمناقب الرفيعة، ثم مدح الأنصار ساكني المدينة، وبالغ في مدحهم. فذكر لهم هذه الفضائل:
١ - أنهم يحبون المهاجرين.
٢ - أنهم ليس في قلوبهم حقد ولا حسد لهم.
٣ - أنهم يفضلونهم على أنفسهم، ويعطونهم ما هم في أشد الحاجة إليه. وما ذاك إلا لأن الله عصمهم من الشحّ المردي والبخل المهلك الذي يدنِّس النفوس ويمنعها من اكتساب الخير وعمل البر. ثم ذكر أن التابعين لهم بإحسان - وهم الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة - يَدْعُون لأنفسهم ومن سبقهم من المؤمنين بالمغفرة. ويطلبون من الله أن لا يجعل في قلوبهم حقدًا وحسدًا لهم.
أسباب النزول
سورة الحشر سبب نزولها (١): ما أخرجه البخاري عن سعيد بن جبير قال: "قلت لابن عباس: سورة التوبة؟ قال: التوبة هي الفاضحة، ما زالت تنزل ومنهم