الدارين، وهو ما ترتضيه الحكمة، وتقتضيه المصلحة من التوجه إلى بيت المقدس تارة، وإلى الكعبة أخرى.
والظاهر: أن الصراط المستقيم هو ملة الإِسلام وشرائعه، فالكعبة من بعض مشروعاته. والإشارة في قوله:
١٤٣ - ﴿وَكَذَلِكَ﴾ راجعة إلى مفهوم الآية المذكورة قبله؛ أي: كما جعلناكم معديين إلى الصراط المستقيم، أو هديناكم إلى قبلة هي أوسط القبل، أو جعلنا قِبلتكم أفضل القبل ﴿جَعَلْنَاكُمْ﴾ يا أمة محمد ﴿أُمَّةً وَسَطًا﴾؛ أي: أمة خيارًا عدولًا ممدوحين بالعلم والعمل. ﴿لِتَكُونُوا﴾؛ أي: لكي تكونوا يوم القيامة ﴿شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾؛ أي: على الأمم الماضية بأن رسلهم قد بلغتهم رسالات ربهم؛ وذلك (١) لأن الله تعالى يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد، ثم يقول لكفار الأمم: ألم يأتكم نذير؟ فينكرون ويقولون: ما جاءنا من نذير، فيسأل الله الأنبياء عن ذلك، فيقولون: كذبوا قد بلغناهم، فيسألهم البينة - وهو أعلم بهم - إقامة للحجة، فيقولون: أمة محمد تشهد لنا، فيؤتى بأمة محمد - ﷺ -، فيشهدون لهم بأنهم قد بلغوا فتقول الأمم الماضية: من أين علموا وإنما أتوا بعدنا؟ فيسأل الله تعالى هذه الأمة، فيقولون: أرسلت إلينا رسولًا، وأنزلت علينا كتابًا أخبرتنا فيه بتبليغ الرسل، وأنت صادق فيما أخبرت، ثم يؤتى بمحمد - ﷺ -، فيُسأل عن حال أمته، فيزكيهم ويشهد بصدقهم.
وأخرج البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: "يجاء بنوح وأمته يوم القيامة، فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم أي رب، فيسأل أمته هل بلَّغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيجاء بكم، فتشهدون، ثم قرأ رسول الله - ﷺ - ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ ". زاد الترمذي "وسطًا عدولًا". ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ﴾ محمد - ﷺ - ﴿عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾؛ أي: يشهد بعدالتكم، وعلى صدقكم في شهادتكم على الأمم

(١) الخازن.


الصفحة التالية
Icon