وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال: إن النبي - ﷺ - قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل القبلة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة) متفق عليه.
﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا﴾ من قبلكم؛ يعني: أحبار اليهود، وعلماء النصارى ﴿لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ﴾؛ أي: أن التولي والتحويل إلى الكعبة هو ﴿الْحَقُّ﴾؛ أي: الأمر الثابت ﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾ لمعاينتهم لما هو مسطور في كتبهم من أنه - ﷺ - يصلي إلى القبلتين، ولكن يكتمونه ﴿وَمَا اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى: ﴿بِغَافِلٍ﴾؛ أي: بساه ﴿عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ قرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي: ﴿تَعْمَلُونَ﴾ بالتاء إما خطابًا للمؤمنين؛ أي: وما الله بساه عما تعملون أيها المسلمون من امتثال أمر القبلة. وقال (١) ابن عباس رضي الله عنهما: يريد: أنكم - يا معشر المؤمنين - تطلبون مرضاتي، وما أنا بغافل عن ثوابكم وجزائكم، فأنا أثيبكم على طاعتكم أفضل الثواب، وأجزيكم أحسن الجزاء. وإما خطابًا لأهل الكتاب؛ أي: وما الله بغافل عما تكتمون - يا أهل الكتاب - خبر الرسول، وخبر القبلة. وقرأ الباقون: ﴿يَعْمَلُونَ﴾ بالياء على أنه راجع لأهل الكتاب؛ يعني: وما أنا بساه عما يفعل هؤلاء اليهود والنصارى، فأنا أجازيهم عليه في الدنيا والآخرة، فهو على هذا القول وعلى القول الثاني: وعد للكافرين، وتهديد لهم بالعقاب على الجحود والإباء، وعلى القول الأول: وعد للمؤمنين بالثواب على القبول والأداء.
الإعراب
﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾.
سَيَقُولُ: ﴿السين﴾: حرف تنفيس واستقبال، ﴿يقول السفهاء﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿مِنَ النَّاسِ﴾: جار ومجرور، حال من ﴿السُّفَهَاءُ﴾. ﴿مَا وَلَّاهُمْ...﴾: مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿مَاَ﴾: استفهامية في محل الرفع