ففي هذه الجملة إشارة إلى سبب النزول. ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾؛ أي: قبل توبتكم حين تبتم مما ارتكبتم من المحظور، ﴿وَعَفَا عَنْكُمْ﴾؛ أي: محا ذنوبكم وما فعلتموه قبل النسخ ولم يعاقبكم على خيانتكم ﴿فَالْآنَ﴾؛ أي: ففي هذا الزمن الحاضر الذي أحل الله لكم فيه الرفث إلى نسائكم ﴿بَاشِرُوهُنَّ﴾: جامعوهن في ليالي الصوم؛ فهو حلال لكم لنسخ التحريم، وهو أمر إباحة، وسميت الجماع مباشرة؛ لالتصاق بشرتيهما عنده. ﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾؛ أي: واطلبوا بالمباشرة ما قدر الله وقسمه لكم، وأثبته في اللوح المحفوظ من الولد، وفيه إشارة إلى أنه ينبغي للمباشر أن يكون غرضه الولد، فإنه الحكمة من خلق الشهوة وشرع النكاح: لإقضاء الوطر والشهوة، وقيل: فيه إشارة إلى النهي عن العزل.
قال الشافعي: لا يعزل الرجل عن المرأة إلا بإذنها، ولا بأس أن يعزل من الأمة.
وقيل: معنى ذلك ابتغوا هذه المباشرة من الزوجة والمملوكة، فإن ذلك هو الذي كتب الله لكم؛ أي: قسم الله لكم ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ الليل كله من أوله ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ﴾ ويتضح ﴿لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾؛ أيّ: كلوا واشربوا الليل كله من أوله إلى أن يتبين ويظهر لكم بياض النهار من سواد الليل حال كون الخيط الأبيض بعضًا ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ الصادق، وسمي الصبح الصادق فجرًا؛ لأنه يتفجر وينتشر منه النور.
وهذا أمر إباحة، وسُمِّيَا (١) خيطين؛ لأن كل واحد منهما يبدو في الأفق ممتدًا كالخيط، قال الشاعر:

فَلَمَّا أَضَاءَتْ لَنَا سَدْفَةٌ وَلاَحَ مِنَ الصُّبْحِ خَيْطٌ أَنَارَا
السدف: اختلاط الظلام، وأسدف الفجر: أضاء.
واعلم: أن الفجرَ الذي يُحرِّمُ على الصائم الطعامَ والشرابَ والجماعَ هو الفجر الصادق المستطير المنتشر في الأفق سريعًا، لا الفجر الكاذب المستطيل.
(١) خازن.


الصفحة التالية
Icon