سابقًا: ﴿فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ...﴾ إلخ. فأول الأربعة: راغب في الدنيا فقط ظاهرًا وباطنًا، والثاني: راغب فيها وفي الآخرة كذلك، والثالث: راغب في الآخرة ظاهرًا وفي الدنيا باطنًا، والرابع: راغب في الآخرة ظاهرًا وباطنًا معرض عن الدنيا كذلك؛ أي: ومن بعض الناس - يا محمَّد - من يعجبك ويحبك، ويشوقك ويعظم في نفسك قوله وكلامه وحديثه ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾؛ أي: يعجبك ما يقوله في أمور الدنيا، وأسباب المعاش وما يتكلم به لطلب مصالح الدنيا؛ لأنه يطلب بادعاء المحبة حظ الدنيا، ولا يريد به الآخرة، هذا إن قلنا: إن الجار والمجرور متعلق بالقول، ويصح تعلقه بـ ﴿يعجبك﴾.
والمعنى حينئذ: أي يعجبك كلامه في الدنيا حلاوة وفصاحة، ولا يعجبك في الآخرة لما يعتريه في الموقف من الدهشة والحيرة، أو لأنه لا يؤذن له في الكلام. ﴿وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾ أنه موافق لقوله؛ أي: يحلف بالله على أن ما في قلبه من محبتك أو من الإِسلام موافق لكلامه، ويقول: الله شاهد على ما في قلبي من محبتك ومن الإِسلام، وقرأ ابن محيصن (١) شذوذًا ﴿وَيشهدُ اللهُ﴾ بفتح حرف المضارعة ورفع الاسم الشريف على أنه فاعل، والمعنى: ويعلم الله منه خلاف ما قال، ومثله قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ وقراءة الجماعة أبلغ في الذم، وقرأ ابن عباس شذوذًا ﴿واللهَ يُشْهِدُ على ما في قَلْبِهِ﴾، وقرأ أبي، وابن مسعود شذوذًا أيضًا: ﴿وَيَسْتَشْهِدُ اللهَ على ما في قلبه﴾.
﴿وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾؛ أي: والحال أنه شديد الخصومة والعداوة لك وللمسلمين، وهو الأخنس بن شريق الثقفي، واسمه أبي كان منافقًا حسن العلانية خبيث الباطن، أقبل إلى النبي - ﷺ - وأظهر الإِسلام، وحلف بالله إنه يحبه ويتابعه في السر، وكان النبي - ﷺ - يدنيه من مجلسه، وعن ابن عباس (٢) أنها نزلت في نفر من المنافقين تكلموا في خبيب وأصحابه الذين قتلوا بالرجيع - موضع بين مكة والمدينة - وعابوهم؛ فأنزل الله في ذم المنافقين، ومدح خبيب وأصحابه.

(١) شوكاني.
(٢) ابن كثير.


الصفحة التالية
Icon