بغيًا وحسدًا، وقيل: اختلافهم هو تحريفهم: وتبديلهم، وقيل: الضمير في (فيه) راجع إلى محمَّد - ﷺ -، والمعنى: وما اختلف في أمر محمَّد - ﷺ - بعد وضوح الدلالات على صحة نبوته - ﷺ - إلا اليهود الذين أوتوا الكتاب بغيًا منهم وحسدًا، و ﴿مِنْ﴾ في قوله (١): ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ متعلقة بـ ﴿اختلف﴾، وهي وما بعدها - أعني قوله: ﴿بَغْيًا﴾ - مقدم على الاستثناء في المعنى، والاستثناء مفرغ، والمستثنى منه محذوف، والمعنى (٢): وما اختلف في الدين والحق أحد من بعد ظهور الحجج الواضحة، لأجل البغي والحسد الواقع منهم إلا الذين أوتوه، وإنما جعل مقدمًا على الاستثناء؛ لئلا يكون الاستثناء المفرغ متعدِّدًا مع أنه لا يكون كذلك؛ لأنه يصير المعنى حينئذ: إلا الذين أوتوه إلا من بعد ما جاءتهم البينات إلا بغيًا بينهم.
وقيل المعنى (٣): وما اختلف في أمر محمَّد - ﷺ - بعد وضوح الدلالات الواضحة على صحة نبوة محمَّد - ﷺ - لهم بغيًا وحسدًا إلا اليهود؛ أي: إلا الذين أوتوا الكتاب، وهم علماء اليهود؛ لأن المشركين وإن اختلفوا في أمر محمَّد - ﷺ -، فإنهم لم يفعلوا ذلك للبغي والحسد، والحرص على طلب الدنيا، ولم تأتهم البينات في شأن محمَّد - ﷺ - كما أتت اليهود، فاليهود مخصوصون من هذا الوجه.
﴿فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالنبيين ﴿لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾؛ أي: إلى الدين والحق الذي اختلف فيه من اختلف، وقوله: ﴿مِنَ الْحَقِّ﴾ بيان لما اختلفوا فيه، وفي قراءة شاذة تنسب لعبد الله ﴿لما اختلفوا فيه من الإسلام﴾ ﴿بِإِذْنِهِ﴾؛ أي: بإرادته وعلمه ولطفه.
قال ابن زيد: اختلفوا في القبلة فصلت اليهود إلى بيت المقدس، والنصارى إلى المشرق، فهدانا الله إلى الكعبة، واختلفوا في الصيام، فهدانا الله لشهر رمضان، واختلفوا في إبراهيم، فقالت اليهود: كان يهوديًّا، وقالت النصارى:

(١) الجلالين.
(٢) الصاوي.
(٣) الواحدي.


الصفحة التالية
Icon