لأنهم شاهدوا ذلك في التوراة والإنجيل، وأما في الآية الثانية: فبين أنه تعالى يشهد أن ذلك حق، وشهادة الله بكونه حقًّا مغايرةٌ لعلم أهل الكتاب بكونه حقًّا، وأما في الآية الثالثة: فبين أنه تعالى قطع حجة اليهود والمشركين، وذلك قوله تعالى: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ﴾؛ أي: عرّفناكم وجه الصواب في قبلتكم والحجة لكم؛ لكي لا يكون لليهود والمشركين ﴿عَلَيْكُمْ﴾ أيها الأمة المحمدية ﴿حُجَّةٌ﴾؛ أي: مجادلة ومعارضة في التولي، والمعنى: أن التولية عن الصخرة إلى الكعبة تدفع احتجاج اليهود بأن محمدًا يجحد ديننا، ويتبع قبلتنا، وذلك مدفوع بأن المنعوت في التوراة قبلته الكعبة، وتدفع احتجاج المشركين بأنه - ﷺ - يدّعي مِلة إبراهيم ويخالف قبلته. ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ قرأ الجمهور: ﴿إِلَّا﴾ بكسر الهمزة جعلوها أداة استثناء متصل، وقرأ ابن عامر، وزيد بن علي، وابن زيد شذوذًا ﴿ألا﴾ بفتح الهمزة وتخفيف اللام جعلوها ﴿أَلاَ﴾ التي للتنبيه والاستفتاح. فعلى قراءة هؤلاء يكون إعراب ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ مبتدأ خبره جملة ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾، ودخلت الفاء؛ لأنه سَلَكَ بـ ﴿الذِينَ﴾ مسلك الشرط، والفعل الماضي هو مستقبل المعنى. كأنه قيل: من يظلم من الناس فلا تخافوا مطاعنتهم في قبلتكم، واخشوني فلا تخالفوا أمري، وقال أبو عبيدة: إنّ ﴿إلّا﴾ هنا بمعنى الواو؛ أي: و ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ فهو استثناء بمعنى ﴿الواو﴾ ومنه قول الشاعر:
وَمَا بِالْمَدِينَةِ دَارٌ غَيْرُ وَاحِدَةٍ | دَارُ الْخَلِيْفَةِ إلا دَارُ مَرْوَانَا |