قوله: ﴿وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾: ذكره بعد قوله: ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ من باب ذكر العام بعد الخاص لإفادة الشمول والعموم، ويسمى مثل هذا عند البلغاء بالإطناب.
﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾: فيه إيجاز بالحذف؛ أي: لا تقولوا: هم أموات، بل هم أحياء وبينهما طباق.
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ﴾: والإتيان بالجملة الخبرية مقسمًا عليها تأكيدٌ لوقوع الابتلاء، وإسناد الفعل إليه صريح في إضافة أسباب البلايا إليه، وأن هذه المحن من الله تعالى. ﴿بِشَيْءٍ﴾ الباء فيه للإلصاق، وأفرده ليدل على التقليل؛ أي: بشيءٍ قليلٍ؛ إذ لو جمعه فقال: بأشياء.. لاحتمل أن تكون ضروبًا من كل واحدٍ مما بعده.
قوله: ﴿وَالثَّمَرَاتِ﴾: ذكره بعد ذكر الأموال من ذكر الخاص بعد العام اهتمامًا به؛ لاندراجها تحت الأموال.
قوله: ﴿إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ﴾: فيه من المحسنات البديعية التجنيس المغاير؛ وهو أن تكون إحدى الكلمتين اسمًا، والأخرى فعلًا، ومنه قوله تعالى: ﴿أَزِفَتِ الْآزِفَةُ﴾، ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾، وفي "المنتخب" ما ملخَّصه: إن إسناد الإصابة إلى المصيبة لا إلى الله تعالى؛ ليعم ما كان من الله وما كان من غيره، فما كان من الله فهو داخل تحت قوله: ﴿إِنَّا لِلَّهِ﴾؛ لأن في الإقرار بالعبودية تفويضًا للأمور إليه، وما كان في غيره فتكليفه أن يرجع إلى الله في الإنصاف منه، ولا يتعدى. كأنه في الأول: ﴿إِنَّا لِلَّهِ﴾ يدبر كيف يشاء، وفي الثاني: ﴿وَإِنَّا إِلَيْهِ﴾ ينصف لنا كيف يشاء انتهى.
﴿عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾: التنوين فيهما للتفخيم، وجمع صلوات؛ ليدل على أن ذلك ليس مطلق صلاة، بل صلاة بعد صلاة، ووصفها بكونها ﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾ ليدل بـ ﴿من﴾ على ابتدائها من الله؛ إذ تنشأ تلك الصلوات وتبتدىء من الله تعالى، ويحتمل أن تكون ﴿من﴾ تبعيضية، فيكون ثَمَّ حذف مضاف؛ أي: صلوات من صلوات ربهم، وأتى بلفظ الرب مع إضافته إلى ضميرهم؛ لما فيه من


الصفحة التالية
Icon