قال كعب الأحبار (١): السحاب غربال المطر، ولولا السحاب.. لأفسد المطر ما يقع عليه من الأرض، وتسخيره بعثه من مكان إلى مكان، وقيل: تسخيره ثبوته بين السماء والأرض بلا علاقة تمسكه، والآيات في ذلك: أن السحاب مع ما فيه من المياه العظيمة التي تسيل منها الأدوية الكبيرة يبقى معلقًا بين السماء والأرض بلا علاقة تمسكه، ولا دعامة تسنده.
﴿لَآيَاتٍ﴾؛ أي: إن في جميع ما ذكر من خلق السموات والأرض إلى هنا لدلائل وبراهين عظيمة دالة على وحدانية الرب الحكيم، ودالة على القدرة القاهرة، والحكمة الباهرة، والرحمة الواسعة. قيل: وإنما جمع آيات؛ لأن في كل واحد مما ذكر من هذه الأنواع آيات كثيرة تدل على أن لها خالقًا مدبرًا مختارًا ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾؛ أي: يتفكرون فيها وينظرون إليها بعيون عقولهم، فيعرفون بأن هذه الأمور من صنع إله قادرٍ حكيم، وفيه تعريضٌ بجهلِ المشركين الذين اقترحوا على النبي - ﷺ - آية تصدقه، وفي الحديث (٢): "ويل لمن قرأ هذه الآية فمج بها"؛ أي: لم يتفكر فيها.
١٦٥ - ثم أخبر الله سبحانه وتعالى عن سوء عاقبة المشركين الذين عبدوا غير الله تعالى فقال: ﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾؛ أي: ومن الكفار أهل الكتاب، وعبدة الأوثان ﴿مَنْ يَتَّخِذُ﴾؛ أي: يعبد ﴿مِنْ دُونِ اللهِ﴾؛ أي: من غير الله ﴿أَنْدَادًا﴾؛ أي: أصنامًا وأحبارًا أندادًا؛ أي: أمثالًا وأشباه يشبه بعضها بعضًا في العجز، وعدم النفع والضر، والأحسن (٣) حمل ﴿النَّاسِ﴾ على الطائفتين: من أهل الكتاب وعبدة الأوثان، فالأنداد باعتبار أهل الكتاب هم رؤساؤهم وأحبارهم اتبعوا ما رتبوه وشرعوه لهم من أمر ونهي، وإن خالف أمر الله ونهيه، قال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ﴾ والأنداد باعتبار عبدة الأوثان هي الأصنام اتخذوها آلهةً، وعبدوها من دون الله.

(١) الخازن.
(٢) البحر المحيط.
(٣) بيضاوي.


الصفحة التالية
Icon