قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ هذه (١) الآية مناسبتها لما قبلها: أنه تعالى ذكر في الآية قبلها إباحة الطيبات، ثم فصل أشياء من المحرمات، فناسب أن يذكر جزاء من كتم شيئًا من دين الله، وما أنزله على أنبيائه، فكان ذلك تحذيرًا أن يقع المؤمنون فيما وقع فيه أهل الكتاب مِن كتمِ ما أنزل الله عليهم، واشترائهم به ثمنًا قليلًا.
أسباب النزول
قوله (٢) تعالى ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا..﴾ الآية، أخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد، أو عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (دعا رسول الله - ﷺ - اليهود إلى الإِسلام، ورغبهم فيه، وحذرهم عذاب الله ونقمته، فقال رافع بن حريطة ومالك بن عون: بل نتبع - يا محمد - ما وجدنا عليه آباءنا، فهم كانوا أعلم وخيرًا منا، فأنزل الله في ذلك: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ...﴾ الآية).
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ...﴾ الآية، أخرج (٣) ابن جرير عن عكرمة في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾ والتي في آل عمران: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ﴾ نزلتا جميعًا في اليهود، وأخرج الثعلبي من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت هذه الآية في رؤساء اليهود وعلمائهم، كانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا والفضل، وكانوا يرجون أن يكون النبي المبعوث منهم، فلما بعث محمد - ﷺ - من غيرهم.. خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رياستهم، فعمدوا إلى صفة محمد - ﷺ -، فغيروها، ثم أخرجوها إليهم، وقالوا: هذا نعت النبي الذي يخرج في آخر الزمان لا يشبه نعت هذا النبي، فأنزل الله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ...﴾ الآية.
(٢) لباب النقول.
(٣) المراغي والخازن.