عبادتهم غيره تعالى يبتغون منه نصرًا ورزقًا، منكرًا عليهم ما اعتقدوه، مبينًا لهم أنهم لا يصلون إلى ما أمَّلوه، وإلا فليبينوا هذا الناصر والمعين والرازق إذا هو أمسك رزقه. أما وقد وضح الحق لذي عينين.. فهم في لجاج وعناد بعد وضوح الحجة وتبين المحجة، ثم ضرب مثلًا يبين حالي المشرك والموحد: فمثل حال الأول بحال من يمشي منحنيًا إلى الأمام على وجهه فلا يدري أين يسلك ولا كيف يذهب؛ فيكون حائرًا وضالًّا، ومثل حال الثاني بحال من يمشي منتصب القامة على الطريق الواضح فيرى ما أمامه ويهتدي إلى ما يريد، ثم أعقب هذا بذكر الدلائل على تفرده بالألوهية، بذكر خلق الإنسان في الأرض وإعطائه نعمة السمع والبصر، وأرشد إلى أن القليل من الناس شكور لهذه النعم. ثم أردف هذا بذكر سؤال المشركين للرسول - ﷺ - عن ميقات البعث استهزاء به وإجابته إياهم بأن علمه عند الله وليس له من علمه شيء، وإنما هو نذير مبين، وذكر أنه حين تقوم الساعة ويعرف المشركون قرب وقوع ما كانوا ينكرون تعلو وجوههم غبرة ترهقها قترة، ويقال لهم: إن ما كنتم تستعجلون قد وقع ولا مرد له، فماذا أنتم فاعلون؟
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا...﴾ الآيات، روي: أنّ كفّار مكة كانوا يدعون على رسول الله - ﷺ - وعلى المؤمنين بالهلاك، كما حكى الله عنهم في آية أخرى بقوله: ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠)﴾، وقوله: ﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا﴾.. فنزلت الآية، ثم أمره أن يقول لهم: إنا آمنا بربنا وتوكلنا عليه وستعلمون غدًا من الهالك. ثم أمره أن يقول لهم: إن غار ماؤكم في الأرض ولم تصل إليه الدلاء فمن يأتيكم بماء عذب زلال تشربونه؟!
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿تَبَارَكَ﴾؛ أي: تعالى عن النقائص في ذاته وصفاته وأفعاله، واتصف بالكمالات فيها، فهو تعالى الإله ﴿الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾ والسلطنة والتصرف العام. وتبارك تفاعل من البركة، والبركة: النماء والزيادة: حسّيّة أو عقليّة، ونسبتها إلى الله