من القرآن فابتغوه في الشعر، فإنه ديوان العرب أما سمعتم قول الشاعر:

سَنَّ لَنَا قَوْمُكَ ضَرْبَ الأَعْنَاقِ وَقَامَتِ الْحَرْبُ بِنَا عَلَى سَاقِ
قال ابن عباس: هذا يوم كرب شديد، روي عنه نحو هذا من طرق أخرى، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل وقد أغنانا الله سبحانه في تفسير هذه الآية بما صح عن رسول الله - ﷺ - كما عرفت، وذلك لا يستلزم تجسيمًا ولا تشبيهًا، فليس كمثله شيء، ولقد أجاد من قال:
دَعُوا كُلَّ قولِ عِنْدَ قَوْلٍ مُحَمَّدٍ فَمَا آمِنٌ فِي دِيْنِهِ كَمُخَاطِرِ
وقرأ الجمهور (١): ﴿يُكْشَفُ﴾ بالتحتية مبنيًا للمفعول. وقرأ ابن مسعود وابن عباس، وابن أبي عبلة ﴿تكشف﴾ بفتح الفوقية مبنيًا للفاعل، أي: الشدّة والساعة. وقرأ ابن عباس وابن مسعود أيضًا، وابن هرمز بالنون. وقرىء بالفوقية مبنيًا للمفعول. وقرىء ﴿يكشف﴾ بالياء المضمومة وكسر الشين من أكشف إذا دخل في الكشف، ومنه: أكشف الرجل: انقلبت شفته العليا.
٤٣ - ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ﴾ حال من ضمير ﴿يُدْعَوْنَ﴾ على أنَّ ﴿أَبْصَارُهُمْ﴾ مرتفع به على الفاعلية. ونسبة الخشوع إلى الأبصار لظهور أثره فيها، وإلا فالأعضاء أيضًا خاشعة ذليلة متواضعة بل الخاشع في الحقيقة هو القلب لكونه مبدأ الخشوع. وذلك أن المسلمين إذا رفعوا رؤوسهم من السجود صارت بيضاء كالثلج، فلما نظر إليهم اليهود والنصارى والمنافقون، وهم الذين لم يقدروا على السجود حزنوا واغتموا واسودت وجوههم، كما قال تعالى: ﴿تَرْهَقُهُمْ﴾ أي: تلحقهم وتغشاهم ﴿ذِلَّةٌ﴾؛ شديدة تخزيهم وحسرة وندامة، كأنّه تصير لخشوع أبصارهم. ﴿وَقَدْ كَانُوا﴾ في الدنيا ﴿يُدْعَوْنَ﴾ دعوة التكليف ﴿إِلَى السُّجُودِ﴾؛ أي: إليه. والإظهار (٢) في موضع الإضمار لزيادة التقرير، أو لأن المراد به الصلاة أو ما فيها من السجود. وخص السجود بالذكر من حيث إنه أعظم الطاعات. قال بعضهم: يدعون بدعوة الله صريحًا مثل قوله تعالى: ﴿فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٦٢)﴾ أو ضمنا مثل قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾، فإن الدعوة إلى الصلاة دعوة إلى السجود، وبدعوة الرسول - ﷺ - صريحًا
(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon