حين دعاهم إلى الإيمان" وجاء في الآية الأخرى ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨)﴾.
وقال بعضهم: المعنى (١): فاصبر لحكم ربك بسعادة من سعد وشقاوة من شقي ونجاة من نجا وهلاك من هلك، ولا تكن كصاحب الحوت في استيلاء صفات النفس عليه، وغلبة الطيش والغضب للاحتجاب عن حكم الرب حتى رد عن جناب القدس إلى مقر الطبع، فالتقمه حوت الطبيعة السفلية في مقام النفس، وابتلي بالاجتنان في بطن حوت الرحم انتهى.
٤٩ - ﴿لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ﴾؛ أي: ناله، وبلغه، ووصل إليه ﴿نِعْمَةٌ﴾؛ أي: رحمة كائنة ﴿مِنْ رَبِّهِ﴾ سبحانه، وهو توفيقه للتوبة وقبولها منه. وحسن تذكير الفعل للفصل بالضمير، و ﴿أن﴾ المصدرية مع الفعل في تأويل مصدر مرفوع على أنه مبتدأ خبره محذوف تقديره: ولولا تدارك نعمة من ربه حاصل ﴿لَنُبِذَ﴾؛ أي: طرح من بطن الحوت، فإن النبذ إلقاء الشيء وطرحه لقلة الاعتداد به. ﴿بِالْعَرَاءِ﴾ أي: بالأرض الخالية من الأشجار. قال الراغب: العراء: مكان لا سترة به. ﴿وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ أي مليم مطرود من الرحمة والكرامة، لكنّه رحم فنبذ غير مذموم بل سقيمًا من جهة الجسد. والجملة حال من مرفوع ﴿نبذ﴾ عليها يعتمد جواب ﴿لَوْلَا﴾؛ لأنها هي المنفية لا النبذ بالعراء، كما في الحال الأولى؛ لأنه نبذ غير مذموم بل محمود. ومليم من ألام الرجل بمعنى أتى ما يلام عليه، ودخل في اللوم. فإن قلت: فسر المذموم بالمليم وقد أثبته الله تعالى بقوله: ﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢)﴾.
أجيب: عن ذلك التفسير: بأن الإلامة حين الالتقام لا تستلزم الإلامة حين النبذ، إذ التدارك نفاها، فالتفت على ما هو حكم لولا الامتناعية، كما أشير إليه في تصوير المعنى آنفًا.
والخلاصة: أي لولا أنْ تداركته نعمة الله بتوفيقه للتوبة وقبولها منه.. لطرح بالقضاء من بطن الحوت وهو مليم مطرود من الرحمة والكرامة.
وقرأ الجمهور: ﴿تَدَارَكَهُ﴾ فعلًا ماضيًا، ولم تلحقه علامة التأنيث لتحسين