أن أمرًا بديعًا، الحاقة كما يفيده كونها مبتدأ وكون الحاقة خبرًا، كذا في الإرشاد.
٣ - ﴿وَمَا أَدْرَاكَ﴾؛ أي: وأيُّ شيء أعلمك يا محمد ﴿مَا الْحَاقَّةُ (٣)﴾؛ أي: جواب أي شي هي، فلا علم لك بحقيقتها؛ إذ بلغت من الشدة والهول أن لا يبلغها علم المخلوقين. وقوله: ﴿مَا﴾ مبتدأ، وجملة ﴿أَدْرَاكَ﴾ خبرها، وجملة ﴿وَمَا أَدْرَاكَ﴾ معطوفة على جملة ﴿مَا الْحَاقَّةُ (٢)﴾، و ﴿مَا الْحَاقَّةُ (٢)﴾ مبتدأ وخبر، والجملة في موضع المفعول الثاني لـ ﴿أَدْرَاكَ﴾؛ والجملة (١) الكبرى تأكيد لهول الساعة وفظاعتها ببيان خروجها عن دائرة علم المخلوقات على معنى، أن عظم شأنها ومدى هولها، وشدَّتها بحيث لا يكاد تبلغه دراية أحد ولا وهمه، وكيفما قدرت حالها، فهي أعظم من ذلك وأعظم، فلا يتسنى الإعلام. قال بعضهم: إنّ النبي - ﷺ - وإن كان عالمًا بوقوعها ولكن لم يكن عالمًا بكمال كيفيتها. ويحتمل أن يقال ذلك للنبي - ﷺ - إسماعًا لغيره.
قال المراغي (٢): وهذا أسلوب من الكلام يفيد التفخيم والمبالغة في الغرض الذي يساق له الكلام، فكأنه قيل: أي شيء هي في حالها وصفتها، فإن ﴿ما﴾ يسأل بها عن الصفة والحال لا عن الحقيقة. ثم زاد سبحانه في تفظيع شأنها وتفخيم أمرها وتهويل حالها، فقال: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣)﴾؛ أي: أي شي أعلمك ما هي، فهي خارجة عن دائرة علم المخلوقات لعظم شأنها، ومدى هولها وشدتها، فلا تبلغها دراية أحد، ولا وهمه، فكيفما قدرت حالها فهي فوق ذلك وأعظم؟. قال سفيان بن عيينة: كل ما في القرآن قال فيه: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ﴾، فإنه - ﷺ - أُخبر به، وكل شيء قال فيه: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ﴾، فإنه لم يخبر به.
قال الواحدي (٣): الحاقة هي القيامة في قول كل المفسرين، وسمّيت بذلك؛ لأنّها ذات الحواق من الأمور، وهي الصادقة الواجبة الصدق، وجميع أحكام القيامة صادقة واجبة الوقوع والوجود.
قال الكسائي والمؤرخ: الحاقة يوم الحقّ. وقيل: سميت بذلك؛ لأن كل إنسان فيها حقيق بأن يجزى بعمله، وقيل: سميت بذلك؛ لأنها أحقت لقوم النار
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.