﴿وَمَنْ قَبْلَهُ﴾؛ أي: ومن تقدمه من الكفرة غير عاد وثمود. فهو من قبيل التعميم بعد التخصيص. و ﴿مَنْ﴾ موصولة، و ﴿قبل﴾ نقيض بعد.
وقرأ أبو رجاء (١) وطلحة، والجحدري، والحسن بخلاف عنه، وعاصم في رواية أبان، والنحويّان: أبو عمرو والكسائي، ويعقوب ﴿ومِنْ قِبَله﴾ بكسر القاف وفتح الباء بمعنى: ومن معه من القبط من أهل مصر. وقرأ باقي السبعة، وأبو جعفر، وشيبة، والسلمي ﴿وَمَنْ قَبْلَهُ﴾ بفتح القاف وسكون الباء؛ أي: ومن تقدمه من القرون الماضية والأمم الخالية. واختار (٢) أبو عبيد وأبو حاتم القراءة الأولى لقراءة ابن مسعود وأبي ﴿ومن معه﴾، وقراءة أبي موسى الأشعري ﴿ومن يَلقَاه﴾.
﴿وَالْمُؤْتَفِكَاتُ﴾؛ أي: وجاءت المؤتفكات؛ أي: أهل قرى قوم لوط؛ لأنّها عطفت على ما قبلها من فرعون. ومن قبله من (٣) ائتفكت البلدة بأهلها؛ أي: انقلبت، والله تعالى قلب قرى قوم لوط عليهم، فهي المنقلبات بالخسف. وهي خمس قريات: صعبه، وسعده، وعمرة، ودوما، وسدوم وهي أعظم القرى. ثم هذا من قبيل التخصيص بعد التعميم للتتميم؛ لأنَّ قوم لوط أتوا بفاحشة ما سبقهم بها من أحد من العالمين. وقرأ الجمهور ﴿وَالْمُؤْتَفِكَاتُ﴾ بالجمع. وقرأ الحسن والجحدري ﴿والمؤتفكة﴾ بالإفراد، واللام للجنس، فهي في معنى الجمع.
والمعنى: وجاءت المؤتفكات ﴿بِالْخَاطِئَةِ﴾؛ أي: بالفعلة الخاطئة، أو بالأفعال ذات الخطأ العظيم التي من جملتها تكذيب البعث والقيامة. فالخاطئة على هذين صفة لمحذوف، ويكون الكلام من المجاز العقليّ كشعر شاعر، قاله مجاهد. أو بالخطأ فيكون الخاطئة مصدرًا جاء على وزن فاعله كالعاقبة والكاذبة، قاله الجرجاني. والباء للملابسة أو التعدية، وهو الأظهر. والمراد أنّ هؤلاء الأمم المذكورة جاؤوا بالخاطئة؛ أي: بالشرك وأنواع المعاصي.
١٠ - ﴿فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ﴾؛ أي: فعصت كل أمة رسولها المرسل إليها حين نهاهم عما كانوا يتعاطونه من القبائح. فالرسول هنا بمعنى الجمع؛ لأن فعولًا وفعيلًا يستوي فيهما المذكر والمؤنث والواحد والجمع، فهو من مقابلة الجمع بالجمع
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.